يعتبر التلفزيون من أكثر التقنيات الحديثة شيوعاً وأسرعها انتشاراً وأشدها تأثيراً ، كما بعد وسيلة اتصال جماهيرية مهمة ، وأصبح مؤسسة ثقافية تربوية رئيسية ويرى البعض أنه أرجع الإنسان إلى محيطه الطبيعي بعد أن أبعدته الكلمة المطبوعة عن ذلك المحيط وجعلته يستخدم حاسة البصر فقط ، ففي مشاهدة التلفزيون يستخدم الإنسان معظم حواسه ، ويتصالح مع محيطه ، ويتحرر من القيود التي قد تفرضها عليه الوسيلة المطبوعة .
يقضي الإنسان في مشهدة التلفزيون وقتاً أطول مما يقضيه في أي نشاط آخر عدا العمل .
العلاقة بين التلفزيون والطفل :
إن أول اتصال بين الطفل والتلفزيون يتم عندما تبدأ قدرته على التركيز وتمييز الأشياء ، فالصور المتحركة على الشاشة تلفت نظر الطفل منذ السنة الأولى من حياته فيبتسم لها ، أو يصرخ منها . وفي السنة الثالثة يطلب برامج مفضلة ، ويرى أنها نافذة يطل منها على العالم أو المجتمع مما يساعده على التلاؤم مع المحيط ، ويجد فيه متعة وترفيهاً وترويحاً عن النفس وإشباعاً لحاجاته في المتعة والترفيه .
أدوار التلفزيون التربوية :
لقد أصبح التلفزيون ومحطاته الفضائية منافساً شديداً للمدرسة وسائر المؤسسات التربوية والتثقيفية ، إذ يقضي الطفل أمامه ساعات عديدة وهو يكتسب منه الكثير من المعلومات والأفكار والمواقف والاتجاهات والقيم وأنماط السلوك ، وذلك بالتأثير والتقليد بما يقدمه التلفزيون من قصص وبرامج ومسلسلات وأفلام وأغان وإعلانات ، ويعيش جو القصة مع شخصياتها ويتعلم ويكتسب منها .
إن الطفل يتعلم أنماط السلوك كطريقة اللباس وكيفية الحديث والتفاعل والتعامل ، كما يسهم التلفزيون في تثقيف الطفل وتعليمه وتنمية خبراته ويساعده على تفتح مواهبه ، ويجعله يقتحم مجالات جديدة من المعارف بصورة مبكرة ، ويعرفه على أسرار الكون ما يجري في العالم على نحو ميسر وسهل ، وينقله إلى أماكن بعيدة دون أعباء أو تكاليف تذكر ، كما أنه يساعد الطفل على إغناء حصيلته اللغوية ، ويعزز لغته سليمة فصيحة ، وهو فضلاً عن ذلك وسيلة ترفيه وإمتاع وترويح .
الآثار السلبية للتلفزيون :
لا شك أن للتلفزيون آثاراً إيجابية كثيرة وأدواراً تربوية مهمة ، ولكنه في الوقت نفسه له آثاراً سلبية ، فهو يعد وسيلة للهروب من المشكلات ومن الواقع وليس وسيلة لحلها ، كما أنه يعدل نظم الأسرة ونظام الطفل ، وقد يحل محل أنشطة مهمة أخرى ، وقد يشغله عن الدراسة والقراءة والتحصيل ، كما يمكن أن يكون وسيلة للركون إلى الخيال هرباً من الواقع ، وحين تصور بعض المسلسلات أو البرامج الجريمة أو المجرم بصورة مبهرة فإنها قد تغري الطفل إلى تقليده والحذو حذوه .
ومن أخطار التلفزيون أيضاً أن يتسلل الأطفال إلى برامج الكبار ، فيشاهدوا موضوعات تخص الكبار وبعيدة عن اهتمامات الطفولة ومشكلاتها . ويسهم التلفزيون في فقدان التواصل والحوار بين أفراد الأسرة ، ويجعل الطفل خاضعاً لرغبة معدي البرامج ، ولا تتدخل رغبته أو إرادته في ذلك ، وهذا يجعل الطفل متلقياً منفعلاً لا فاعلاً .
ونشير أيضاً إلى الخطر البالغ الذي تحدثه أفلام العنف والإثارة . فهي تثير الطفل وتجعله يقلد ما يشاهده ويمارسه على رفاقه أو إخوته ، كما أن تأجيل العبرة للنهاية و يفقد المادة المتلفزة أهميتها التربوية ، فليس للطفل الصبر والأناة لاستنتاج العبرة المتأخرة .. إنه يتأثر بالممارسة الخاطئة والأساليب الشريرة ، فيقلدها ويتبناها في سلوكه .
كما أن مدة التحديق في التلفزيون تؤدي إلى آثار صحية سلبية في العينين ، ومدة الجلوس الطويلة تؤدي إلى أضرار في العمود الفقري .
استخدام الطفل في الإعلانات التجارية :
يلجأ الكثير من المعلنين إلى إيقاع الطفل في فخ الإعلانات التجارية بهدف ترويج البضائع ، لما يتملكه الطفل للإعلان عن منتج ما اختيار ذكر لما يمتلكه من قوة تأثير على الآخرين سواء أكانوا أطفالاً أم كباراً . لاستخدام الطفل في الإعلانات التجارية آثاراً سلبية على الطفل نفسه وعلى أقرانه وعلى أهله .
عندما يمثل الطفل ويتصنع فإنه يفقد عفويته وبراءته ليلبي متطلبات الإعلان ورغبات أصحابه ، وحين يقوم بمسؤوليات ، وتبعات ليس مؤهلاً لها لكي يعلم عن حاجة أو سلعة ما فهو يكذب بشكل غير مباشر ، ومن جهة أخرى يمكن أن تبهره الشهرة والأضواء النجومية عندما ينجح الإعلان ، ويتردد على ألسنة أقرانه من الأطفال ، وعندها يمكن أن يصاب بالغرور وسوء التكيف والاستعلاء والعزوف عن الاهتمام بدراسته وواجباته ، وبذلك نحرمه من طفولته العذبة وبراءته الجميلة ، ويكون الأثر أشد خطورة عندما يكون إعلان الطفل عن سلعة تهم الكبار أو عن حاجات أو قيم استهلاكية كمالية تهم الأثرياء ، كما أن الطفل يجد في الإعلان سبيلاً سهلاً بسيطاً للحصول على مبلغ جيد من المال .موقع طرطوس
أما بالنسبة للأقران فيمكن أن ينظروا إلى طفل الإعلان نظرة مختلفة فيروه غريباً عنهم ويمتاز بمميزات مختلفة ، فيتودد إليه بعضهم ، ويعزف عنه آخرون . أما الأهل فيطرب بعضهم نجومية الطفل وشهرته وأداؤه المهمة الموكلة إليه بحركات وعبارات بعيدة عن طفولته ، وما يلاحظ أنه بقدر ما يكذب الطفل في الإعلان ويبتعد عن طفولته يحقق نجاحاً ، كما يصعب على الأهل توجيه الطفل وقيادته بعد تحقيق النجومية .
كيف يمكن أن نحصد فوائد تربوية من التلفزيون :
لا شك أن دور الأسرة كبير في توجيه أبنائم إلى البرامج الجيدة المفيدة في التلفزيون ، ومن بعض البرامج أيضاً أن تشارك الأسرة أبناءها مشاهدو بعض البرامح وعقد جلسات مناقشة عقب مشاهدة برنامج ما وتثبيت فوائده وعبره وأفكاره التي يقدمها ، ولا بد من ترشيد مدة مشاهدة التلفزيون واختيار المفيد الممتع الجيد من البرامج .
وهناك نقاط مهمة ينبغي تجنبها في برامج الأطفال يأتي في مقدمتها العنف والإثارة الجسديتان وتأجيل العبرة للنهاية ، وإذا كان لا بد من العنف من أجل الدفاع عن قيمة أخلاقية نبيلة فيمكن إدخال مشاهد معتدلة لا تثير الرعب في نفوس الأطفال لكن يحظر من استخدام السلاح الجارح خاصة ، لأن له تأثيراً بالغاً في نفس الطفل إلى حد توهم الطفل أن السلاح قد أصابه هو نفسه ، ويذكر أن العنف الذي يقع في بيئة نائية أو زمن غابر أو مجتمع بدائي يكون تأثيره أقل من تأثير العنف الذي يقع في بيئة مشابهة لبيئته .موقع طرطوس
أما بالنسبة للشخصيات فالطفل يعجز عن فهم المعقدة منها ، بل إنها تشوش تفكيره في حين يشعر بالأمان والارتياح تجاه الشخصيات الواضحة المحدودة الملامح . وينبغي الحرص الشديد على أن تكون المعلومات التي يتضمنها البرنامج التلفزيوني دقيقة ومفهومة ، وأن يكون التعبير عنها واضحاً كي يستطيع الطفل فهمها دون غموض أو لبس ، فالمعلومات المضللة أشد خطراً من عدم إعطاء أية معلومات .
ومن الواجب الابتعاد عن القصص الغرامية والمغامرات العاطفية في برامج الأطفال ، فهم لا يدركونها ولا يفهمونها ولا تدخل ضمن دائرة اهتماماتهم .موقع طرطوس
وبكلمة موجزة يمكن القول إن برامج الأطفال التلفزيونية ، تخاطب الطفل على أن له روحاً وعقلاً وعواطف ، ويملك قدرات وإمكانات ، وله اهتماماته وأحاسيسه ورغباته ، ولذلك فمن الضروري أن نقدم له معلومات صحيحة وتجارب غنية وخبرات ونماذج إنسانية إيجابية ، ومن الواجب مراعاة اهتماماته ورغباته والوصول إلى قلبه وعقله في آن معاً .