موقع طرطوس

الأطفال المشردون… غياب تماسك الأسرة يعني كارثة

يفوق التعداد السكاني في البلدان العربية بما في ذلك الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 300 مليون نسمة نصفهم أطفال، لدا فالمسؤولية تتعاظم ، في إطار العمل على ضمان أسلوب معيشة أفضل لهم، فمع تسارع وتيرة النمو الحضري في المنطقة بمعدلات عالية تتفاقم المشكلات خصوصاً تلك المتعلقة بفئة الأطفال ، حيث يواجه العديد منهم مخاطر الفقر والبطالة وعدم توافر الغذاء والسكن الملائم والخدمات الصحية والتعليمية الأساسية .

كما أن نسبة منهم أيتام ومعاقين ، وتقضي فئة أخرى منهم معظم وقتها خارج المنزل ، بحثاً عن لقمة العيش ، فتؤدي أعمالاً شاقة وتتعرض للكثير من المخاطر والاعتداءات.
وبالرجوع إلى هؤلاء الأطفال المشردين نجد أن غالبيتهم جاء إما نتيجة زواج لامرأة من رجل يكبرها بعشرات السنين ، و سرعان ما يعجز بعد سنوات قليلة، ويحتاج لمن يوفر له الدواء والغذاء، وعندما يزداد المرض والجوع،  لا تجد الأم بدا من أن تطلق أولادها للشوارع، بعد تلقينهم أساليب التسول، ومد اليد، والبكاء لاستعطاف المارة، و يجوبون الشوارع حفاة ونصف عراة، ويعودون في المساء إلى أمهم يلقون شقاء يومهم في جحيم حضنها.

أو نتيجة لعائلة تشردت بأكملها بعد أن قتلت الأم زوجها بالتآمر مع عشيقها، وبعد أن سجنت الأم وعشيقها لجأ الأولاد إلى الشوارع الذي وجدوا من رصيفه مكانًا يرتزقون من مخلفاته يبيعون الجرائد والعلكة (اللبان) والدخان، ويمسحون زجاج السيارات.

مثل هذا الأمر ليس ضربًا من الخيال، وإنما من واقع الحياة، التي تلفظ أطفالاً هم ضحية غيرهم، ليتشردوا على طرقاتها يطلبون المال، وكسرة الخبز، وسريرًا من “طروطوار” وغطاء من هواء.

ويتمركز معظم هؤلاء الأطفال المشردين، لأسباب كثيرة وعديدة، في الساحات العامة ومواقف السيارات والشوارع الرئيسية التي ترتادها الطبقات الميسورة، خاصة أمام المطاعم؛ لإحراج طالبي الوجبات بالجوع والعوز، وذلك في محاولة إجبار الناس بالطرق المختلفة لإعطائهم ما يريدونه.

ومن مظاهر هذه الآفة الاجتماعية اندفاع الأطفال عند إشارات المرور لمسح زجاج السيارات، مقابل مبلغ يصبح ممتازًا في الساعات الأخيرة من النهار، أو بيعهم بعض الأشياء التي قد لا تعطي مردودًا ماديًا، لكنها بمظهرها هي نوع من التسول، زد على ذلك المشهد الذي بات جزءًا من الأسواق العامة، وزوايا الشوارع ومنعطفات الطرق، الذي  نرى فيه رجلاً أو امرأة، وبجانبهما طفل صغير يغيب لونه من شدة الأوساخ العالقة به، يرددون عبارات يستعطفون بها المارة، ويطلبون المساعدة لهذا الطفل اليتيم أو المريض أو المعتوه، والذي غالبًا ما يتم استئجاره، لممارسة هذه المهنة.

أما على أبواب المساجد فهم يتجمعون في أوقات الصلاة خصوصا أيام الجمعة، مرددين عبارات الخنوع والذل والرحمة بحالهم.
والمظهر الآخر من التسول المقنع، هو الذي يقبل فيه عدد من الأطفال على نبش أكياس القمامة وتمزيقها للحصول على العلب المعدنية، التي يبيعونها إلى المعامل لإعادة تصنيعها. والمشكلة أنه لم تعد تقتصر الحالات على أمور فردية، فقد ثبت أن بعض أطفال التسول هم تابعون لبعض  العصابات المنظمة، حيث يظهر من يستغل هؤلاء الأطفال المشردين في عمليات التسول، أو في عمليات إجرامية كالسرقة.

لدا، فالمسؤولية أولا تقع على الأسرة التي يفترض أن تقدم الرعاية اللازمة لأفرادها، لتكوين إنسان سليم يتمتع بنمو جسمي ونفسي وعقلي، وتقع ثانيا على نظم وأخلاقيات المجتمعات المعاصرة بجوانبها الاقتصادية والسياسية، والتي بدا واضح التناقض بين خطابها الأخلاقي وممارساتها الفعلية.

Exit mobile version