موقع طرطوس

الألوان في مرآة علم النفس

ما معنى استخدام اللون الأحمر في ممرات الاستقبال أو في النوادي الليلية أو في إشارات المرور ؟!  ولماذا تنتابك قشعريرة برد عند تعرضنا للون الأزرق لفترة قصيرة في قاعة مطلية بهذا اللون ؟ !  هل ثمة ألوان دافئة وأخرى باردة ؟ أو ألوان حميمة وأخرى معادية ؟!  ألوان مهيجة وأخرى مهدئة ؟ 

إنه سحر الألوان الذي بدأ علم النفس بدراسته لما وجده علماء النفس من تأثيرات قوية له على سلوك وسيكولوجية الإنسان .موقع طرطوس

عندما تذمر بعض الحمالين من ثقل الصناديق التي كانوا ينقلونها في أحد المصانع قررت الإدارة تغيير لونها من الأسود إلى الأخضر وعندما شعر الحمالون أن حمولتهم قد خف وزنها بعد أن زال الثقل النفسي للون الأسود عنها .موقع طرطوس

رغم صعوبة تفسير التأثيرات النفسية للألوان فقد عرف الإنسان دورها السيكولوجي بوحي من تجربته الشخصية قبل أن يجتهد العلماء في وضع النظريات المتعلقة بها ويشير الباحثون هنا إلى أن هناك ما يثبت تأثير الأضواء الملونة على مركز المشاعر داخل جهاز الهيبوثلاموس البصري في الدماغ وإن طريقة غير مباشرة وقالوا بأن هذا التأثير ينتقل إلى الغدة النخامية التي تتحكم بمجمل الغدد الصماء داخل الجسم بما في ذلك الغدة الدرقية والغدد الجنسية فتؤثر بالتالي على مستوى إفراز الهرمونات داخل الجسم وما لذلك من انعكاس على الجهاز العصبي وأمزجة البشر .موقع طرطوس

ورغم إخفاق العلم في وضع قواعد ثابتة تتعلق بتأثير الألوان فإنه لم يسقط الملاحظات القائمة ويتجاهل هذا الموضوع نهائياً واعتبر أن هناك ضرورة لإجراء المزيد من التجارب وبالفعل فقد توصلوا حتى الآن إلى تسجيل ملاحظات تفرض نفسها بشدة مثل : أن الثوب الأخضر يمكن أن يجذب أو ينفر ، كذلك فإن طلاء الغرفة باللون الأحمر قد يبعث على التوتر أو يؤمن بعض الطمأنينة والهدوء النفسي ، وكان عالم الفيزياء الشهير ( كورت ) قد قدم في الثلاثينات بعض الإستنتاجات المتعلقة بالأضواء الملونة التي اعتمد عليها الباحثون فقال مثلاً أن الإضاءة الحمراء تشعر الإنسان بثقل الزمن وطوله بينما ينعكس هذا الشعور مع الإضاءة الخضراء أو الزرقاء الفاتحة فضلاً عن تولد شعور لدى الإنسان بأن الأشياء تبدو أقصر من المعتاد وأخف وزناً إذا ما طلبت باللونين الأخيرين .موقع طرطوس

وإذا كان من المعتذر تكرار الأثر النفسي الواحد لدى الإنسان بسبب تركيبة المزاج البشري وتعقده فإن خبراء التصميم استفادوا من ملاحظات كورت وسواه في فرض منتجاتهم من أزياء أو ديكور منزلي على الناس كافة كما استخدموا حدسهم النظري في معظم الأحيان لهذه الغاية .

لغة الألوان

إضافة إلى المثال المتعلق بالصناديق السوداء تمكن مدير أحد المصانع الأميركية من زيادة الإنتاج في مصنعه بنسبة ثمانية في المئة بعد طلاء الجدران باللون الأخضر الفاقع كما انخفض عدد العمال المتمارضين كذلك وجد أطباء النفس أن اللون الأزرق في المصحات النفسية للذين يعانون من صدمات عاطفية يساعد كثيراً على تهدئة مشاعرهم لكن اللون عينه تسبب في شكوى عمال أحد المقاهي من البرد هذا الشعور ما لبث أن تلاشى عندما أعيد طلاء الجدران باللون البرتقالي .موقع طرطوس

وسجل الباحثون أن اللون الأصفر يمكن أن يبعث على الغثيان وبالتالي تحاشت مصانع الطائرات والسفن استخدام هذا اللون في ديكور الطائرات الداخلي أو السفن بينما أعطى هذا اللون الفاتح نشاطاً للطلاب داخل الفصول المدرسية ، ويقول الباحثون أن هذه التأثيرات ونتائجها السلبية أو الإيجابية على نفس الإنسان غالباً ما تكون ناجمة عما يسمى بالإرتباط الشرطي المكتسب عبر التجارب . ومن جهة ثانية تبين من التجارب أن للصوت وبخاصة الموسيقى علامة هامة في تنمية الشعور بالألوان الباردة مثل اللون البنفسجي والأزرق والأخضر ففيما تدنى الشعور بالألوان الدافئة مثل الأحمر والبرتقال والأخضر لم يتبدل الشعور حيال اللون الأخضر المصفر بيد أن استراحة ثلاث دقائق أعطيت للأشخاص الخاضعين لهذه التجارب جعلتهم يشعرون بعدها بأن اللون الأحمر الذي شاهدوه من قبل قد ازداد بريقاً وكذلك كان الأمر حيال الألوان الأخرى كما أن ضغط الدم لدى هؤلاء الذي ارتفع خلال التجربة الأولى عاد وهبط دون المستوى العادي في التجربة اللاحقة .موقع طرطوس

وهذا وقد حار العلماء في مسألة اللون والشعور حياله هل هو شعور مكتسب أم أنه غريزي في نفس الإنسان يولد معه ؟

أجريت التجارب على مجموعة من الأطفال لا تزيد أعمارهم عن الثالثة حيث طلب منهم رسم مشاهد لحكاية محزنة تاركين لهم حرية اختيار الألوان ، فطغى اللون البني على معظم رسوماتهم . أما عندما رسموا مشاهد لحكاية أخرى مفرحة لوحظت غلبة اللون الأصفر فيها ، وفي تجارب لاحقة تبين للباحثين ( لابرتافايز هاتفيك ) و ( روز الشولر ) الألمانيتين وبعد دراسة مستفيضة للوحات الأطفال أن أولئك الذين يتسمون بدوافع عاطفية عنيفة يفضلون استخدام  الألوان الحمراء والبرتقالية والصفراء حيث غطت هذه الألوان مساحات واسعة في رسوماتهم أما الأطفال الذين يكبتون عواطفهم أو يسيطرون عليها ففضلوا استخدام الألوان الباردة ووردت ملاحظة في تقارير هاتين الباحثتين أن طفلة في الخامسة كانت ترسم باللونين الأزرق والأخضر طلبت من زميلها الذي ترتاح إليه في اللعب  اللون الأحمر إذ أنها كانت تستخدم ذلك اللون في وضع اللمسات التي تنم عن السعادة ولهذا الطلب دلالته بالطبع .موقع طرطوس

لكن أسلوب رسم الخطوط بلون معين هو الأكثر أهمية إذ أن هناك فارقاً بين خطط مائلة وحادة وأخرى منحنية أو دائرية حتى ولو كانت جميعها حمراء . فاختيار الألوان وتفضيل لون على آخر ليس من المسائل الثابتة في جميع الأزمنة والظروف إذ أظهرت تجربة إحصائية في الأربعينات أن الرجال يفضلون اللون الأزرق بالدرجة الأولى يليه اللون الأحمر فالأخضر فالبنفسجي فالبرتقالي وأخيراً الأصفر .موقع طرطوس
أما النساء فقد فضلن الألوان تبعاً لنفس الترتيب باستثناء اللون الأصفر الذي يسبق لديهم اللون البرتقالي .

الرجال يفضلون البرتقالي

هذا الترتيب لم يثبت في وقت من الأوقات وذلك نظراً لتدخل عامل الإشباع أو الإبتذال فاللون يصبح مبتذلاً إذا ما استخدم على نطاق واسع كما هو الحال في الملابس ولقد دلت تجربة أجريت عام 1949 على تفضيل الرجال للون البرتقالي كون هذا اللون الشائع في تلك الفترة هذا وضمن حرص الباحثين على بلوغ الإستنتاج الصحيح أجريت تجارب مشابهة لتلك التي تمت في الغرب في مناطق إفريقية مثل بتسوانا وكينيا وذلك على فرضية أن هذه الشعوب أقل تأثراً بالموضة الشائعة .

واتضح أن هؤلاء لم يفصلوا بين اللون وأوجه استخداماته فإذا كان أهالي بتسوانا يفضلون اللون الأزرق ثم اللون الأخضر مثلاً على اعتبار أن لهذا اللون موقع آخر أكثر أهمية .. من جهة ثانية لا يرى علماء النفس التقليديون أي تأثير للألوان في ما عنى الحالة النفسية عند الإنسان وذلك على ضوء تعقد نفسيته وتقلبها في حين أن علماء آخرين غير متشككين يرون أن اللون يلعب دوراً واحداً فقط في تغيير أمزجة البشر فهم يرون أن اللون له عوامل أخرى عديدة لا يمكن تجاهلها في الموضوع ذلك أن اللون برأهم مرتبط بالرغبة التي لا ترتبط مباشرة بالحافز الجنسي أو الحيوي فضلاً عن الآمال والدوافع الذاتية غير الفكرية لدى الإنسان بمعنى أن اللون يعبر عن الرغبات غير الثقافية لدى الإنسان .موقع طرطوس
أما المدرستان الفرويدية واليونغية للتحليل النفسي فتوليان أهمية خاصة للدور الذي تلعبه الألوان في كشف اللاوعي لدى الإنسان مثل الأحلام والخيالات الجامحة .

فرويد بالذات يربط بين الألوان وحالة الجسم الصحية تبعاً لواقع كل عضو وسلامته لا سيما بالنسبة لجريان الدم في العروق بينما رأى أتباع مدرسة يونغ أن الأمر يتجاوز هذا التبسيط المبالغ فيه فالألوان وتدرجها ومدى استجابة الإنسان لتأثيراتها على الصعيد النفسي ( ومنها التأثير الجنسي ) هي أعقد من أن تفسر على النحو الفرويدي المبسط .

عمرها 70 ألف سنة :

مهما يكن من أمر فإن هذه التفسيرات لا تستطيع أن تلغي حقائق لونية منذ أن عرف الإنسان اللون قبل 70 ألف سنة كما يتكهن علماء الآثار ومنها :

أولاً : أن اللون الشائع جداً في السيارات يقلل من نسبة وقاية راكبها من الحوادث إذ يفقد اللون في كثرة استعماله عنصر لفت الإنتباه الهام في هذه الناحية .

ثانياً : بعض الألوان مثل اللون الأحمر قد يسبب الهياج للثور وأحياناً للإنسان أيضاً بينما اللون الأزرق أحياناً الكآبة في النفس .

ثالثاً : لطالما تحكمت الألوان المستخدمة في طلاء قاعات الإجتماعات المختلفة في طول الجلسات أو قصرها .

رابعاً : إذا كان اللون الأسود يرمز إلى الحزن والفقدان لدى بعض شعوب العالم فإن الشعب الصيني مثلاً يستخدم اللون الأبيض لهذه الغاية لاعتبارات خاصة به ومفاهيمه الفلسفية .

خامساً : إذا ما استخدم اللونان الأحمر والأخضر في خطوط متعاقبة ظهراً وكأنهما يتحركان فوق الورق .
أخيراً : فاللون هو مجرد تحليل منشوري للضوء ولا ننسى اللونين اللذين لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة ومالهما من تأثير في الحياة العملية أي اللون ما تحت الأحمر واللون ما فوق البنفسجي وكلاهما يستخدمان في مجالات طبية  وعسكرية مختلفة .موقع طرطوس

فإذا كانت العين البشرية تستطيع تمييز 10 ملايين من الألوان فإنها تعجز عن رؤية هذين اللونين فأية آثار نفسية خفيفة يمكن أن يؤذيانها دون أن ندري ؟
ولكن تنبهوا لئلا تضيعوا في هذيان الألوان .

Exit mobile version