الصحافة الإلكترونية قادمة!
تحضرني مقولة مهمة للإصلاحي الذي يضرب بجذوره العميقة في التربة الأفريقية “مارتن لوثر كنغ” (1929-1968).وصف فيها اختراع الإنسان للمطبعة (مطبعة غوتنبرغ) بإنها “أسمى فضائل الرب على عباده.
ترى لو كان “لوثر كنغ” لا يزال حياً ماذا سيقول عن ما أحدثته ثورة الاتصالات من تحولات تقنية ونقلات نوعية في نقل الأخبار والمعلومات والأفكار متجاوزة بذلك القيود والرقابة والمنع؟
هذا الانفجار الإعلامي الهائل الذي يتخذ من النشر الإلكتروني وسيلة للوصول للمتلقي في بيته والتواصل معه ويقدم له وجبات إعلامية أحياناً تكون قد وقعت أحداثها في حينه، وبذلك يكون “النشر الإلكتروني” قد سبق النشر الورقي في تلبية شهية “المتلقي” لمعرفة ما حدث وجرى، ويكون بذلك أيضاً قد استغنى عن الوجبة البائتة التي يقدمها النشر الورقي بحكم طبيعة عمل المطبعة وخصوصياته.
فهل هذا الاقتحام للنشر الإلكتروني ينذر بنهاية ما نسميه الصحافة الورقية؟
وهل ستختفي أكشاك بيع الجرائد والمجلات وتحل محلها أكشاك لبيع الأقراص المرنة والأقراص المدمجة مثلما هو الحال لكثرة محلات بيع أجهزة هواتف النقال؟
الأمر الذي يبدو أنه لا يختلف حوله اثنان خاصة من المنشغلين بهموم الصحافة هو أن الصحافة الورقية وجدت نفسها في مواجهة مصيرية مع نظيراتها أو لنقل “لضرتها” لتبسيط الأمر وهي الصحافة الإلكترونية. وأنه ليس من المبالغة القول بأن المستقبل سيكون للإعلام الإلكتروني، وأنه في ظل ثورة المعلومات “والإنترنت” والتكنولوجيا الرقمية سينحسر دور الصحافة الورقية ان لم يكن قد بدأ في التراجع فعلاً.www.tartoos.com
بل هناك من يرى أن نهاية الصحافة الورقية لم تعد بعيدة في ضوء التردي الذي بدأت تعاني منه كبريات الصحف العالمية.. فهذه صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تستغنى عن 60% من محرريها بعدما بدأت تواجه صعوبات مادية.. بل أن “روبرت مردوخ” صاحب أكبر مجموعة إعلامية في العالم لم يتردد في صرف حوالي 400 مليون دولار على موقع إعلامي يتابعه أكثر من 35 مليون قارئ إلكتروني وهو الذي قال “إن الشركات الإعلامية التي تتوقع من ماضيها المزدهر أن يحميها من التيار الإلكتروني ستندثر وتختفي عما قريب”.
قد يكون من المبكر أن يزعم أحد ما على أن زمن الصحافة الورقية قد ولى رغم وجود إشارات على ذلك.. تطابقاً مع منطق التطور الإنساني الساعي دوماً إلى التجديد والتغيير والإبداع.
لكن من المهم أيضاً أن تستشعر الصحافة الورقية والمنشغلون بها بهذا الاقتحام الذي تحدثه ثورة النشر الإلكتروني وخطورته على الصحافة الورقية كوسيلة اتصال وتواصل كان لها فضل كبير على توسيع مدارك ومعارف المجتمعات الإنسانية.. وهذا الدور لابد وأن يتواصل ويتجدد ويستوعب متطلبات العصر، بل ويستخدم نفس التقنيات الحديثة للنشر الإلكتروني لتأدية رسالته بابتكار جديد يجذب المتلقى ولا يدفع به إلى الاستغناء عن القراءة.
فالصحافة الورقية حتى وان ظهر لها منافس، فلها من الجاذبية والسحر الكثير.
وما الحب إلا للحبيب الأول!