موقع طرطوس

الحكومة الإلكترونية

الحكومة الإلكترونية    –  خطة غير واضحة  وغير معلنة  –  لا خطة إعلامية للتهيئة والاستعداد لها

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الحكومة الإلكترونية وأقيمت لها الندوات وألقيت المحاضرات حولها حتى أن الحوار انتقل أكثر من مرة عبر شاشة التلفزيون ومرات عديدة عبر الإذاعة .

مع هذا أرى أن هذا الموضوع من الأهمية بمكان ليناقش على مستوى أوسع ويفضل أن يتفاعل مع أصحاب القرار والقائمين على هذا المشروع وقد رأيت أن من واجبي المشاركة فيه نظراً لأهميته من جهة ومن جهة ثانية لطرح وجهة نظر أخرى بنيتها من متابعة المؤتمرات والندوات والاطلاع من خلال الانترنيت على تجارب البلدان التي أنشأت الحكومة الإلكترونية –تدرجت بإنشائها-ومن خلال الحوار مع العاملين على هذا الموضوع في بلدنا الحبيب وكوني أحد المختصين في مجال الأتمتة والمعلوماتية من جهة ثالثة.موقع طرطوس

ولا تأتي هذه المقالة في مقام الرد على الآخر إطلاقا وليعذرني القارئ الكريم إن أخطأت أو أسهبت.

تعريف: للوهلة الأولى وعندما يسمع أي واحد منا بمصطلح الحكومة الإلكترونية يظن أن الحكومة الإلكترونية هي حكومة تقوم بجميع أعمالها إلكترونياً أو باستخدام التقانات الإلكترونية وبالحقيقة أن ذلك لم يحصل حتى الآن ولا توجد أية حكومة في العالم تقوم بهذا العمل.

فالحكومة الإلكترونية هي باختصار شديد التحول من تقديم الخدمات العامة والمعاملات والوثائق بين أجهزة الحكومة (وزارات-مؤسسات-شركات ودوائر….)من جهة وبين الأجهزة الأخرى من جهة ثانية (مواطنين-شركات خاصة) وذلك من الشكل الروتيني الكلاسيكي العادي إلى الشكل الإلكتروني أي باستخدام الحاسبات تكنولوجياً والشبكات والاتصالات. أو بتعبير آخر تقديم الخدمات لنفسها وللآخرين وذلك بطريقة الكترونية.موقع طرطوس

لماذا الحكومة الإلكترونية؟

يجب علينا أن نتفق بأن ثورة المعلومات لم تستأذن أحداً بالدخول –وبخاصة الدول النامية وأن التطور التقني في مجال الحاسبات والاتصالات أتت به الأيام وليس لنا أي فضل في ذلك ونشير هنا إلى أن دخول معظم الأجهزة إلى بلدنا كان بشكل غير منظم وبقرارات ارتجالية غير مدروسة /لا أستطيع أن أجزم بأنها عفوية/.

ويجب أيضاً أن نتفق على أن هذا العصر الذي نعيش هو عصر الاقتصاد الرقمي وأن الدولة التي تستطيع أن تحول اقتصادها وتجارتها وأعمالها ولو بشكل تدريجي إلى الشكل الرقمي الإلكتروني ربما تجد لها مكاناً بين الأمم في المستقبل ومن تقاعس وتأخر اعتقد أنه سيبقى ضيفاً ثقيلاً على موائد العلم والمعرفة وبالتالي خارج دائرة الحياة وربما قد يصحو لكن بعد فوات الأوان.موقع طرطوس

إذن ليس هناك من خيار آخر ولا بد لنا من التحضير للولوج في هذا العالم.

أساسيات البدء في إنشاء الحكومة الإلكترونية:( وسأقوم بعرض مبسط لما يجب أن يكون وما هو كان في هذا الموضوع ).

أولاً: ( فيما يجب أن يكون ) :

بشكل مختصر ودون الدخول في أدق التفاصيل فإنه إذا ما أرادت دولة ما،البدء بإنشاء حكومة إلكترونية  عليها أن تعمل ما يلي:

أ‌-      في الإطار العام:

     – وضع خطة عامة معلنة.

     – وضع خطة إعلامية لتهيئة المواطن وأجهزة الدولة لهذه النقلة النوعية.

     – تهيئة الكادر الحكومي.موقع طرطوس

ب‌-  في الإطار الفني:

ت‌-  (والترتيب هنا لا يعني الأولوية في التنفيذ ، ومن المفيد أن نذكر بأن جميع هذه البنود يمكن أن تسير مع بعضها البعض وعلى التوازي….)

-إنشاء بنية تحتية متطورة للشبكات بحيث تؤمن السرعات المطلوبة لتبادل المعطيات وتؤمن وثوقية عالية جداً ودرجة سرية وأمن وأمان متميزة مع القدرة على التحكم بها حسب الطلب.

-البدء في أتمتة كافة أعمال مؤسسات الدولة الإدارية والفنية والإنتاجية والمالية والتخطيطية والتجارية وأرشفة الوثائق …(الأتمتة الإدارية المتكاملة) بدءاً من أصغر وحدة إلى أكبر مؤسسة في الدولة على التوازي وفق خطة منهجية مدروسة باستخدام برامج تقنية موحدة عالية الجودة مع الأخذ بعين الاعتبار الوثوقية العالية ودرجات السرية والأمان وصلاحيات المستخدمين في هذه البرمجيات وأنظمة الأتمتة .

-التوصل إلى بنوك معلومات شاملة مترابطة وبنك معلوماتي مركزي بحيث تستطيع مؤسسات الدولة أن تتبادل المعطيات وفق أنظمة مؤتمتة وأنظمة مراقبة تدفق المعطيات وتبادلها بين المؤسسات .

-إنشاء ما يسمى بأنظمة النقود الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني والبصمة الإلكترونية وفق برامج كفؤة وعالية الوثوقية والأمان .

-تدريب الكادر البشري وتأهيله من عاملين وموظفين ومواطنين كلاً حسب الدور المطلوب منه في الحكومة الإلكترونية وإنشاء هيئة ومراكز للإشراف على ذلك مع الاختبار الدائم والمستمر.

-وضع سلم أولويات بالخدمات الإلكترونية التي يجب أن تقدم ، لأن تقديمها دفعة واحدة مسألة مستحيلة وغير منطقية ولا بد من التدرج في تقديمها خطوة خطوة حسب الإمكانات والأهمية مع الإشارة إلى أن تقديم كافة الخدمات إلكترونياً حالة غير موجودة إذ توجد هناك بعض الخدمات لا بد من إنجازها بالطريقة العادية….موقع طرطوس

-إحداث التشريعات الخاصة بما سبق والتي من شأنها ضبط وتسهيل العمل وحمايته.

ج-الحد الأدنى المطلوب للمباشرة بإنشاء الحكومة الإلكترونية

        –   انتشار الثقافة المعلوماتية .

–    انتشار واسع للإنترنت بحيث لا يقل عن 25% من نسبة سكان البلد وذلك للمردود الخدماتي والجدوى الاقتصادية والمساهمة في عملية التنمية.

ونشير هنا أنه ليس من الضروري أن يصل الإنترنت إلى كل بيت بل أن تكون هناك إمكانية سهلة للدخول إلى الإنترنت سواء أكان ذلك من البيوت أو من مقاهي الإنترنت أو من المؤسسات التي يعمل بها المواطنون ومن مراكز معنية توزع جغرافياً حسب الأهمية والحاجة.

ء-ما هو الزمن اللازم الذي تحتاجه الحكومة لإتاحة أعمالها ومعاملاتها إلكترونياً ؟

إن ذلك يتعلق بسرعة ومدة إنجاز الآتي.

–        المدة الزمنية اللازمة لإعادة ترتيب معاملاتها وخدماتها بطريقة تلبي تحويلها إلى خدمات إلكترونية.

–        المدة الزمنية اللازمة لأتمتة أعمال جميع المؤسسات بشكل كامل واستخدام الأنظمة الحاسوبية في عملها.

–        المدة الزمنية اللازمة لتأمين الكادر المدرب والخبير والمطور وعلى كافة المستويات لأنظمة المعاملات التي ستعتمد عليها الحكومة .

هـ-ما هي الجدوى الاقتصادية من تطبيق الحكومة الإلكترونية ؟ .

إن فوائد تطبيق الحكومة الإلكترونية لايمكن أن نحصيها وفق المدى المنظور بشكل دقيق وبالتأكيد فإن هناك فوائد ستنتج عنها بعد مضي فترة زمنية ، – وأوافق من قال بأن الدول الفقيرة هي التي يجب أن تلجأ إلى إطلاق الحكومة الإلكترونية  – لذا أرى أن الفوائد المنظورة تكمن في الآتي :

–        توفير الوقت والمال على الدولة والمواطن . ( حيث أن الحكومة الإلكترونية تقدم للفرد وفرا كبيراموقع طرطوس

  في الوقت الذي سيبذله في متابعة أية معاملة ، ولربما اختصرها في أسوأ الحالات من أسبوع   متابعة  إلى عمل دقائق على الإنترنت والوفرة في المال الذي سيدفعة أجورا للتنقل بين مكان وآخر وقد   يكون بين محافظة ومحافظة وبين دائرة ودوائر أخرى ، عدا عن توفير إرباكات السير ومستلزماتها  ( آليات – محروقات ) والتقليل من الحوادث والأمراض الناجمة عن التواصل مع الوسط والناس  وبالتالي فإن مجمل ما سبق من توفير في المال والوقت يمكن للمواطن استثماره بمجالات عديدة  في الحياة تخدم رغد  عيشه وتطوره وتنمية موارده وبالتالي تنمية موارد الدولة والمجتمع ، وبالتالي فإن  المواطن المتحرر من كل هذا إلى أداء عمله بشكل أجود وبالتالي الارتقاء حضاريا بعمله ، وهذا  ما سينعكس أيضا على  الدولة والمجتمع .موقع طرطوس

–        تخفيف الهدر في أجهزة الحكومة إلى أدنى حد ممكن .

–        رفع الأداء في عمل أجهزة الدولة والحكومة .

–        تقليل عدد الموظفين العاملين على إنجاز المعاملات .

–        رفع أداء عمل مؤسسات الدولة في التعامل فيما بينها .

–        نشر الثقافة المعلوماتية في المجتمع بشكل أوسع .

–        تحول البلد إلى متفاعل ومنتج وليس إلى مستهلك فقط .

–        القضاء على الروتين والبيروقراطية والفساد و …………..

–        الشفافية والثقة واندحار الواسطة وتجاوز القوانين .

–    إمكانية التقييم الصحيح لأداء المؤسسات والعاملين وبالتالي الوصول بحالة دقيقة إلى تطبيق مبدأ الثواب والعقاب والرجل المناسب في المكان المناسب .

–    تشجيع الاستثمار وجلب المستثمرين من خلال الوضوح والشفافية المتوفرة ، لأن من أكثر العقبات التي تقف عائقا أمام الشركات الاستثمارية ومالكي رؤوس الأموال في أي بلد هو عدم وضوح قوانين الاستثمار والتداخلات المعقدة والقوانين المتشابكة ، لذلك فإنه من المؤكد بأن الحكومة الإلكترونية بما تقدمه من خدمات في هذا المجال تزيل جميع المنغصات وأنواع المخاوف و ذلك  عندما تقوم أية شركة أو أي صاحب رأس مال بالدخول إلى الحكومة الإلكترونية والإطلاع بكل شفافية ووضوح على كافة القوانين والإجراءات ومن تنفيذ كل معاملاته دون أن يغادر مكتبه والانتقال إلى بلد آخر .موقع طرطوس

–    انطلاق التجارة الإلكترونية وما تعكسه من إيجابيات في زيادة الناتج الوطني ، الأمر الذي يؤدي إلى فتح آفاق عمل حديثة وفرص عمل كبيرة .

–         إن تطبيق الحكومة الإلكترونية يولد تشريعات جديدة تساهم في نمو التجارة الإلكترونية .

–        إن تطبيق الحكومة الإلكترونية يؤدي إلى تنمية التجارة المحلية وزيادة دخل الحكومة من الضرائب على التعاملات التجارية .

–        المساهمة إلى حد كبير في نمو الصناعة البرمجية والتي أصبحت في بعض الدول عاملا أساسيا وإضافيا لموارد الخزينة .

–    عند تطبيق الحكومة الإلكترونية والتحول في التعامل المالي إلى النقود الإلكترونية ، تستطيع الدولة بكل سهولة تطبيق النظام الضريبي العادل و مراقبته مما له أبلغ الأثر في دعم الخزينة بأموال طائلة لم تكن تحقق سابقا وذلك على غرار الدول المتطورة .

لاشك أنه عندما تطبق الحكومة الإلكترونية يفسح المجال واسعا أمام صناعة سياحية وثقافية وفنية وكذلك يفتح المجال واسعا أمام عمليات التعليم الإلكتروني وربطه بواقع البلد والمجتمع بحيث يحقق فوائد عملية لم يكن بالإمكان تحقيقها بالحالة العادية .

–    عند تطبيق الحكومة الإلكترونية تتمكن الدولة بما تمتلكه من بنوك معلومات دقيقة وصحيحة من       بناء ووضع جميع خططها بشكل واضح وسهل ، والأهم هي خطط التنمية .

–        الإحصاء – هذه المسألة الهامة جدا – وسهولة الوصول إلى نتائج إحصائية صحيحة ودقيقة عن كل شيء .

–    إمكانية إجراء البحوث العلمية في مختلف المجالات ( تعليم – صحة – زراعة – صناعة …تحديث قوانين بناء عليها ….. ) والتي من شأنها أن تساهم في عملية التنمية والتطور .

–        نتيجة توفر بنوك المعلومات يمكن أن تدرس أية ظواهر طارئة ليتم وضع الحلول العملية لها .موقع طرطوس

–    في يعض البلدان التي قطعت شوطاً متقدماً في استخدام الحكومة الإلكترونية يقوم الموظف الحكومي بأداء عمله الوظيفي من منزله ومن خلال جهازه الحاسوبي دون الحاجة للذهاب إلى موقع العمل وذلك نظراً لما تقدمه الشبكة والبرمجيات من سرعة ووثوقية .

–    بالتأكيد إن هناك فوائد كثيرة غير منظورة الآن ويمكن أن تأتي مع التطور ومدى التعامل الصحيح والأنظمة المستخدمة في الحكومة الإلكترونية .

 ثانياً( في الواقع وما نحن عليه الآن )

لو عدنا ولو بشكل عابر إلى الواقع – وبعد أن تم الحديث في الدولة منذ أكثر من ثلاثة سنوات عن الحكومة الإلكترونية – وطرحنا السؤال التالي :

ماذا حققنا في هذا المشروع ؟ وكم خطوة خطونا ؟ وكم حلقة صحيحة صنعنا  ؟ وعلى من نلقي اللوم ؟ ومن هو المقصر ؟ وعلى من تقع المسؤولية ؟ وهل كان الموضوع وما يزال حالة عفوية ارتجالية تفتقر إلى الكثير من المقومات كغيرها من المشاريع الكثيرة التي تقام في هذا الوطن ولا ينتج عنها إلا هدر في وقت ومال الوطن وتسلق البعض إلى مناصب معينة .

أسئلة كثيرة يمكن أن تطرح وليست المقالة بصدد شرحها وتحليلها وتركت لذوي الشأن هذه المسألة .

أما فيما نراه مناسبا أن يقال في المعوقات التي تقف أمام حقيقة الحكومة الإلكترونية فهو الآتي :

1-    لا توجد خطة عامة معلنة واضحة مبوبة متسلسلة من الناحية الفنية وموزعة عل الكوادر والجهات المشرفة عليها .

2-    لا توجد خطة إعلامية – والكل يعرف دور الإعلام – لتهيئة المواطن وموظفي الدولة لهذه النقلة النوعية .موقع طرطوس

3-  لا توجد أية خطة لاستعداد وتهيئة  المواطن والموظف الحكومي ، وهنا يمكن أن نتحدث عن الكثير من الهدر غير المبرر والإشكالات والسطحية في فهم الموضوع لدى مؤسسات ودوائر الدولة.

البعض يقول بأن الحكومة الإلكترونية لايمكن أن تتعايش مع التخلف الإداري وإنما هي نتيجة للإصلاح الإداري والتنمية الإدارية المستدامة وهذا صحيح لكن هناك من يقول أيضا بأن استخدام التكنولوجيا الحديثة والأتمتة هي التي تطوع القوانين وأحيناً فرضها وهي التي تحدد السلوك البشري وليس العكس وهنا لابد من التطرق إلى أن وزارة الداخلية عندما بدأت بمشروع أتمتة سجلاتها بغية إصدار بطاقة شخصية فيها رقم وطني  و( وكود ) يحتوي على كافة البيانات الشخصية والصورة والبصمة وما شابه ، لم تصدر أية تشريعات حديثة تقضي على التخلف الإداري ، وإنما بكل بساطة تمت دراسة المشروع بطريقة جدية وعلمية ودربت كوادرها على استخدام نظام الأتمتة وأنشأت شبكتها الخاصة ومراكزها الحاسوبية وهي الآن تسير بهذا الموضوع ، وأعتقد أنها أصبحت في حالة متقدمة ( رغم ملاحظاتي الشخصية على هذا المشروع ((من حيثية النظر إليه كحالة خاصة دون أن يكون جزء من خطة عامة  ومن تحدث عن إمكانية إصدار جواز سفر بعد الانتهاء من هذا المشروع أذكره بأن جواز السفر يحتاج أيضاً إلى رأي شعبة التجنيد المختصة وبيان لا حكم علية من الدوائر الجنائية ورأي الدائرة التي يعمل بها إذا كان طالب جواز السفر موظفاً وموافقة جهات أخرى في الدولة إذا كان طالب جواز السفر يعمل في جهة لها خصوصية معينة …. فهل كل الجهات التي ذكرت تؤتمت أعمالها بما يتوافق مع نظام وزارة الداخلية  بحيث أنه يمكن تبادل وتراسل البيانات فيما بينها أو  وضع جميع هذه المعلومات في بنك معلوماتي موحد  )) .موقع طرطوس

والبعض الآخر يقول أن أتمتة الفساد هي فساد على فساد ، وأيضا هذا الرأي صحيح ، لكني أميل إلى الاعتقاد بأن وضع منظومة برمجية للأتمتة الإدارية متطورة كما يجب، هي الحالة الأفضل والتي يمكن بفضلها الخروج من الجدل العقيم في كيفية إجراء الإصلاح الإداري والزمن اللازم لإصدار القوانين الخاصة بهذا الإصلاح وما يتبعها من ملاحظات ومناقشات وتعديلات تالية ، فنحن لا نريد أن نأخذ صورة طبق الأصل عن الواقع الإداري الفاسد والمتخلف ونقوم بأتمتته ، وإنما نضع نظاما برمجيا متطورا على أيدي وطنية خبيرة تقوم بدراسته وفق الحاجات المستقبلية وبما ينسجم مع التوجه العام لبناء الحكومة الإلكترونية وبالتالي فإن  النظم البرمجية المؤتمتة للأعمال الإدارية هي التي تقوم اعوجاج الواقع الإداري وهي التي تفرض تطور العقلية الإدارية ولعلها هي التي تطوع العمل وتفرضه وليس العكس .

باختصار الإصلاح الإداري والتنمية الإدارية هي نتيجة تطبيق الحكومة الإلكترونية .موقع طرطوس

أما الموضوع الأكثر أهمية والأكثر هدرا لأموال الدولة فهو في الأدوات ونظم الأتمتة – إن وجدت – ولابد لنا هنا من الدخول إلى شيء من التفصيل في ذلك .

– معظم مؤسسات الدولة أدخلت بطريقة أو بأخرى بعض التجهيزات الحوبية دون أن تكون هناك دراسة وضعت بحيث تأخذ بعين الاعتبار الغاية المطلوبة من هذه التجهيزات ولم تستخدمها إلا لأشياء بسيطة جدا ، ثم أن البرمجيات التي وضعت في معظم المؤسسات والدوائر قاصرة ولا تؤدي المهام المطلوبة ألا وفق منظور ضيق وهنا يجب علينا أن لا نضع اللوم على هذه المؤسسات نظرا لافتقارها إلى الكادر الخبير من جهة ومن جهة ثانية عدم وجود الخطط المركزية من الدولة بهذا الخصوص . إضافة لذلك فإن هناك تباين واضح بين شركة وأخرى ودائرة وأخرى حتى ولو كانتا تتبعان لنفس الوزارة أو المؤسسة في شراء التجهيزات ووضع البرمجيات اللازمة ونظم الأتمتة وهذا لا يخدم عملية التكامل والترابط المستقبلي ، ثم إن الكثير من شركات ودوائر الدولة لم تضع نظم البرمجة وفق خطط خاصة بها لتصل مستقبلا إلى أتمتة متكاملة وإنما اكتفت ببعض البرمجيات القاصرة ( ذاتية – رواتب وأجور – مستودعات …..) مع التأكيد على أن معظمها غير مترابط مع بعضه البعض .

الأهم من ذلك كله وبكثير ، هو أن الكل يعلم في هذا البلد أن معظم دوائر ومؤسسات الدولة  تعمل في ظل قانون العاملين الأساسي ، وأن النظام المحاسبي واحد فيها جميعا ، وأن نظام المستودعات نظام عالمي قياسي موحد وأن طريقة احتساب الرواتب واحدة أو على الأقل متقاربة ومع ذلك فإن الدولة تركت هذه المسألة حرة دون تدخل وبالتالي أخذت كل دائرة وكل مؤسسة تضع هذه البرمجيات لوحدها وبتوصيف خاص بها …….فكم من الأموال هدرت بدون مبرر ….. ألم يكن بالإمكان وضع برنامج واحد من قبل الدولة تشرف عليه لجنة خبيرة تعمل دائما على تطويره …..آخذة بعين الاعتبار كافة الحالات الخاصة والعاملة لتجعل من هذا البرنامج مرنا يتأقلم مع احتياجات كافة الشركات والدوائر ….. وتوزعه على كل دوائر الدولة ، ألا يحقق هذا الموضوع نوع من الترابط بحيث يمكن تبادل البيانات والمعلومات عند الحاجة ، أليس هذا أفضل بكثير من أن تقوم الجهات العامة ( دوائر ومؤسسات ) بصرف ملايين الليرات كلا على انفراد ، أليس الوفر هنا يستحق أن يناقش ، أو ليست له إيجابياته وفوائده المستقبلية ( التي تخدم الحكومة الإلكترونية ) من حيث الترابط وعدم التباين !!!!؟ .موقع طرطوس

 وهنا علينا أن نتذكر أن نظام التشغيل ويندوز الذي تنتجه شركة مايكروسوفت ، يوضع من قبل علماء ومختصين وخبراء ولا يصبح في  حالة الاستقرار إلا بعد أن يطرح في الأسواق ويقوم المستخدمون باختباره قي كافة أصقاع الأرض وفي كل اللغات ويرسلون بملاحظاتهم عليه وتقوم الشركة المنتجة بدورها بتعديله . وهكذا والأمر ينطبق على عدة برمجيات عالمية أخرى ( أتوكاد …… أوفيس ) ، فهناك دائما تطور دون اللجوء إلى نسف الفكرة الأساس .

إن هذه الفوضى العارمة في شراء أدوات المعلوماتية من أجهزة وشبكات ونظم تشغيل وبرمجيات نتيجة لعدم وجود خطة واضحة وعدم وجود جهة رقابية متخصصة ، سندفع ثمنها غاليا آجلا أم عاجلا ، إضافة إلى الثمن الذي دفعناه .

 لاشك بأن سوء  استخدامنا للمعلوماتية وأدواتها جعل البعض ينفر منها ويوجه انتقادات لها وجعل حالة الانبهار التي تكونت في أذهان البعض تتحول إلى حالة إحباط ، ويأتي ذلك نتيجة منطقية لطريقة تعامل البعض من أصحاب القرار مع هذه الأدوات ، وصدق من قال بأن هناك الكثير من أدوات المعلوماتية موجودة كلوحات تجميلية فوق مكاتب البعض من المدراء والموظفين الذين ذكرت وأشك أن يعرف أي منهم أين يقع مفتاح تشغيلها أو حرف الألف في لوحة مفاتيحها .

ولا غرابة عند ذلك أن تستغرق حالة استصدار بيان غير موظف من الحاسب أكثر من ستة أشهر ، وأنا أعرف مديرا زمجر وشال وحط واستعرض وقال بأنه سيحدث ثورة في المعلوماتية في عمله  ، فاستقدم أجهزة حاسوبية متطورة جدا مع ملحقاتها وطابعات واستخدمها في نهاية المطاف بطريقة سيئة كآلات كاتبة !!! .

وأعرف مديرا آخر أصدر تعليمات بقطع خط الهاتف عن أحد الموظفين لأنه يستخدم الإنترنت ….. بحجة الهدر …..موقع طرطوس

وأعرف إدارة ثالثة استقدمت تحت عنوان كبير شبكة حاسوبية باهظة الثمن ( ثلاث أضعاف ) دون دراسة فنية صحيحة ودون جدوى اقتصادية معقولة وكانت النتيجة تجهيزات مخالفة للمواصفات وبرمجيات قاصرة لا تلبي الطموح والمحصلة شبكة لا تعمل …….!!!!

(عباد الله إنه مال الوطن ……… وإنها كوادر الوطن ……. ترفقوا بها )

والأمثلة المحزنة والمؤلمة في هذا الاتجاه كثيرة وهي ليست موضوع مقالتنا ، لكنها إشارات يجب أن لا نهرب منها لأنها واقعا .

وما دمنا نتحدث عن الواقع بعد أن تحدثنا عن ما يجب أن يكون ، لنكمل دون الخوض في التفاصيل -البنية التحتية – شبكة الاتصالات – والتي تعتبر الأساس الهام جدا في بناء الحكومة الإلكترونية ( فهي تشكل حوالي 70% من تكلفة إنشاء الحكومة الإلكترونية و 30% لبقية التجهيزات والنظم ) فهي في بلدنا مع الأسف لا ترقى إلى الطموح ، ففي الوقت الذي أصبحت فيه الكثير من دول العالم تتعامل بطرق تقنية أفضل وأحدث وبالتالي أوفر زمنا ومالا ، نحن لا نزال على التراث محافظون ، مع العلم أن القسم الأكبر من مقاسمنا الهاتفية وشبكاتنا حديث العهد ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌‌‍‍‍.

ولا أريد هنا أن أدخل في تفاصيل التوصيلات السيئة للشبكة وتركها معرضة لتأثيرات الوسط الخارجي والعابثين وعدم توفر حالة أمانها بالرغم من أن ذلك مهم جدا ……………

وقد سمعنا منذ فترة طويلة وعلى لسان أكثر من وزير ( تعليم عالي – اتصالات ) بأن هناك شبكة حديثة قادمة ، نرجو أن تصل وتوضع في الخدمة قبل وصول ( سمسونايت غوار ) .

أما فيما يتعلق بعدد مستخدمي الانترنيت في بلدنا فتدل الإحصاءات على أن الرقم لم يصل إلى مستوى الطموح قياسا بالدول العالمية وعل الأقل بدول الجوار والكل يعرف سبب ذلك ، فالبعض منها يتعلق بالخدمات والبعض الآخر بالشبكة الهاتفية والبطء الحاصل فيها والبعض يشكو من ارتفاع تكلفتها . وخلاصة القول أنه حتى الآن لا يوجد عدد مستخدمي انترنيت كاف لإنشاء حكومة إلكترونية ذات جدوى اقتصادية ويجب تدارك ذلك .موقع طرطوس

 وهنا أرى لزاما أن نقدر عاليا التوجيهات السامية للسيد الدكتور بشار الأسد عندما كان رئيسا للجمعية العلمية السورية للمعلومات والتي قضت بإنشاء مراكز البرنامج الوطني لنشر المعلوماتية المجانية في مختلف محافظات ومدن القطر ورؤيته المستقبلية الواضحة والحضارية في هذا المجال والتي تعتبر سابقة في عالمنا العربي وقد تكون في العالم .

صحيح أن بعض مؤسسات الدولة أنشأت مواقع على شبكة الانترنيت ( أقول شبكة الانترنيت ولا أقول الشبكة العنكبوتية – لان شبكة الانترنيت هي فعلا ليست شبكة عنكبوتية وهو مصطلح خاطئ ، وهناك دراسات أجرتها شركات عالمية متخصصة خلصت لذلك ……) وهنا أيضا يجب علينا أن نسجل للبعض منها التألق وفي طليعتها دون منازع ” صحيفة الاقتصادية  ” ويعض الجرائد اليومية ، وهي بحق تقدم خدمة إلكترونية لمن يريد ، وبعض مواقع الوزارات تقدم معلومات ولا تقدم خدمات ‍‍‍‍‍‍وهذه المعلومات ثابتة ولا تقوم الجهات المنشئة لها بترقيتها وتعديلها ( هذه أهم ميزات موقع الانترنيت أو صفحة الويب ) والإضافة عليها ، وبكافة الأحوال لايمكن اعتبار ذلك لبنة من لبنات بناء الحكومة الإلكترونية وبالمقابل لا نريد أن نقلل من أهمية وجودها وضرورة تطويرها  ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍.

–    إن أجهزة الإعلام ونظرا لعدم وضوح الخطة وغياب الرؤية المتعلقة ببناء الحكومة الإلكترونية لا يزال تأثيرها في هذا الاتجاه محدودا لكن ذلك لا يمنعها من أن تشير إلى الخلل الحاصل والفهم الخاطئ للهدف من استقدام التكنولوجيا الحديثة المرتبطة بالمعلوماتية وكافة أدواتها …..

–    إن بناء الحكومة الإلكترونية ليست مسألة مستعصية فهناك الكثير من الدول التي تستخدمها وتسير في تطويرها يوماً بعد يوم وأن هناك أكثر من دولة عربية قطعت أشواطاً لا بأس بها في بناء الحكومة الإلكترونية وأن حكومة دبي الإلكترونية أطلقت عام 2000 وبع ثمانية عشر شهراً قدمت أربعة عشر خدمة إلكترونية وبعد مرور سنة تالية قدمت ما يقارب من مائة خدمة أخرى ويتوقع القائمين عليها أن تقدم خدمات أكثر فأكثر عاماً بعد عام  وأن في عام 2005 ستكون قد أنجزت 70% من الخدمات التي يجب أن تقدم ….!

أخيراً …

             إ بناء الوطن لا يمكن أن يتم إلا بسواعد أبناءه الطيبين المخلصين الغيورين وهم بالحقيقة موجودون ومسيرة الإصلاح والتطوير والتحديث اتخذ قرارها ويجب علينا أن نكون جميعاً جنوداً نعمل لتحقيق أهدافها فالوطن وطننا وتطوره ازدهارنا ورفعتنا ومنعتنا .

الدكتور المهندس فواز حسن

Exit mobile version