السل بالتعريف : هو مرض وبائي تسببه جرثومة تدعى المتفطرة الدرنية أو عصية كوخ. ورغم أن التدرن يعدّ من أقدم أمراض البشرية إلا أنه بقي عبر التاريخ واحداً من أكثر الأوبئة العالمية فتكاً بالبشر !
تساهم عوامل الفقر وانعدام الخدمات الصحية الأساسية ، وسوء التغذية ،وعدم ملاءمة الظروف المعيشية في انتشار السل وصعوبة السيطرة عليه !.
ويعدّ السل سبباً رئيساً للوفاة بين النساء في سن الإنجاب ، كما يعدّ القاتل الرئيسي للمصابين بفيروس نقص المناعة المكتسب .
الوضع الوبائي في العالم :
يعد ثلث سكان العالم مصابين بالخمج الدرني ، أي حوالي ملياري شخص ،يصاب منهم بمرض السل الفعال أكثر من 8 ملايين شخص سنوياً ويموت منهم 2 مليون شخص مل عام ! وتقول إحصائيات منظمة الصحة العالمية أنه كان يمكن تجنب % 25 من هذه الوفيات في البدان النامية لو تمت المعالجة في الوقت المناسب !.
يجب أن نعرف أن السل ينتشر في كل بلدان العالم بشكل غير متساوٍ. وليس في العالم منطقة معزولة ، ولكن مازال التدرن مرضاً قابلاً للشفاء ، رغم أنه بدأت تظهر في العديد من البلدان سلالات مقاومة للأدوية المتعددة .
الوضع الوبائي في سورية:
بلغ عدد إصابات السل عام (4380), 2005 إصابة موزعة على الشكل التالي :
– تدرن خارج الرئة .
– تدرن رئوي سلبي القشع .
– تدرن رئوي إيجابي القشع.
– تدرن رئوي إيجابي القشع مع إعادة معالجة .
مصادر العدوى :
أهم مصدر للعدوى هو الإنسان المريض النافث لعصيات كوخ !.
يمكن أن تحدث العدوى من مصدر حيواني هو البقرة المصابة وذلك عبر تناول الحليب غير المغلي !.
نقطة مهمة : حامل العصيات لا يعدي في التدرن.
حامل العصيات ← اختبار إيجابي للسلين.
يعني أن الشخص قد تعرف على عصية التدرن وهو غير معدٍ .
طرق الدخول :
– الطريق التنفسي : وذلك بالتعرض لارذاذ من عصيات ينفثها مريض .
– الطريق الهضمي : شرب أو أكل الطعام الملوث .
– الطريق الجلدي : يشترط فيها أن يكون الجلد مسحجاً.
– طرق نادرة : اللوزات ، باطن الفم واللثة ، الجهاز التناسلي .
تطور المرض :
– المرحلة الأولى ( الخمج الدرني) : تحدث عن تعرض شخص سليم إلى الارذاذ الحامل للعصيات الممرضة التي ينقثها شخص مريض ، ويحتاج حدوث الخمج إلى تماس مديد مع مصدر العدوى .
– المرحلة الثانية ( السل الفعال ) : تحدث عند تطور الخمج إلى مرض فعال ويتم ذلك في % 10 فقط من حالات الخمج الدرني . أما باقي الحالات فتبق العصيات هاجعة في الجسم ولا نعرف بوجودها إلا بواسطة إيجابية اختبار السلين .
أشكال التدرن :
– التدرن الرئوي : هو الشكل الأكثر شيوعاُ في التدرن ،ويحدث في % 80 من الحالات ،وهو أكثر أشكال السل قدرة على إحداث العدوى . يعدّ فحص القشع الجرثومي أهم وسيلة لتشخيص هذا النوع من التدرن لأنه طريقة موثوقة في كشف العامل الممرض.
– التدرن خارج الرئة : هو السل الذي يصيب أعضاء أخرى غير الرئة : تدرن الجنب ، تدرن العقد اللمفية ، التدرن البطني ، تدرن السحايا ، تدرن الأغشية المخاطية والجلد . . . يجب أن يبنى التشخيص في هذه الحالات على عينة زرع إيجابية من الموضع المصاب خارج الرئة أو على تحليل نسيجي أو على وضوح قوي لحالة سريرية ناشطة من التدرن خارج الرئة .
أعراض السل :
أولاً الأعراض الموحية بالتدرن الرئوي :
1- سعال مع قشع يمتد لمدة 3-2 أسابيع دون تحسن بالمعالجة العادية .
2- ألم صدري .
3- نفث دموي .
ثانياًُ : الأعراض المرافقة للتدرن الرئوي :
1- نقص وزن .
2- نقص شهية .
3- وهن .
4- تعرق مسائي خفيف .
الوسيلة النموذجية لتشخيص التدرن هي فحص القشع !
عند الشك بأعراض توحي بالتدرن يطلب للمريض ثلاث عينات قشع بالترتيب التالي :
1- عند المراجعة الأولى .
2- عينة صباحية عند الاستيقاظ .
3- عينة في المركز تؤخذ في اليوم التالي لتسليم العينة الثانية .
– لا يجرى للمريض صورة شعاعية للصدر إلا بعد ظهور نتيجة القشع الثالثة .
– لتشخيص التدرن خارج الرئة تستخدم طرق مختلفة كفحص القشع ، أو فحص السائل الدماغي الشوكي ، أو الصورة الشعاعية، أو فحص سائل البزل ، أو الخزعة النسيجية ، أو تحري عصية كوخ ، في البول ثلاث مرات متتالية ، أو فحص السائل المنوي , وغير ذلك حسب منطقة الإصابة .
تقرير حالة :
راجعنا المريض م.س عمره 45 عاماً ضعيف البنية ، دخل إلى العيادة وهو ينظر بخوف وقال إنه مرسل من قبل طبيب الأسنان فلان الذي يعمل في إحدى قرى اللاذقية. وكان قد راجعه لأنه يشكو من عض اللسان باستمرار . قام طبيب الأسنان بمحاولة علاج مكان العض بالمطهرات واليود ثم أعطاه مضامض فموية ومضادات حيوية . استمر العلاج لمدة خمسة أيام وكان التحسن طفيفاً . طلب الطبيب عندئذ من المريض م.س أن يراجعنا للتأكد أو أخذ الخزعة !
لدى فحص فم المريض وجدنا قرحة منتبجه على جانب اللسان ، مسحجة ، غير نازفة ، أبعادها1.5*0.5 سم تقريباً ، لونها يميل إلى الاحمرار قاسية الملمس ، يبدو محيط الآفة واضحاُ يتميز عن المجاورات . لدى فحص العقد اللمفاوية وجدنا انتباجاً في العقدة اللمفاوية تحت الفك .
لدى استجواب المريض قال بأن الآفة منذ شهرين ، وحدثت نتيجة عضة خاطئة للسان أثناء تناول الجوز ! وعندما أصبح عض المنطقة يتكرر مع بعض النزف المرافق قرر المريض مراجعة طبيب أسنانه لحل هذه المشكلة . إن عدم وجود أسنان مكسورة أو جهاز متحرك أو ثابت في جوار منطقة الإصابة ، وكذلك عدم تحسن الآفة بالمعالجة العادية دفعنا للشك بطبيعتها فقررنا إجراء الخزعة ، لكن المريض رفض وغاب لمدة تزيد عن الأسبوعين ليعود بعد أن استشار طبيباً ثالثاً !
أخذنا خزعة من جانب اللسان بحجم عدة ملمترات وقمنا بتثبيتها وصنع شرائح مجهرية منها بسماكة 7 مكرون ثم تلوينها بالهماتوكسيلين- أيوزين .وقد أظهر التقرير النسيجي ما يلي :
تشاهد بؤر من خلايا التهابية بيضوية ولمفاوية ، مع عدد قليل من خلايا عملاقة تحوي كل منها مجموعة من النوى تصطف على محيط الخلية ، تلاحظ بؤر من التموت النسيجي الموضعي ( التجبن ) في أنحاء مختلفة من المحضر .
أرسل المريض إلى مركز مكافحة التدرن حيث أجري له فحص قشع ثلاث مرات متتالية . كان اثنان منها إيجابيان ثم أجريت له صورة صدر شعاعية وتبين فيه إصابته بشل منتشر رئوي . وقد عدّت القرحة السلية المشاهدة على باطن اللسان عبارة عن مضاعفة للسل الرئوي الفعال والذي لم يكن مشخصاً قبل الخزعة الفموية !
لعلاج كامل على مرحلتين :
1- مرحلة مكثفة : لإيقاف تكاثر الجراثيم وإبادة أكبر عدد منها ،ومنع حدوث مقاومة مكتسبة لدى هذه الجراثيم. واستمرت هذه المعالجة شهراً ونصف الشهر .
2- مرحلة مستمرة: بعد تناقص عدد العصيات استمرت هذه المعالجة بدواءين فقط مدة أربعة أشهر.
وقد عدُّ المريض معافى بعد إتمام العلاج وإجراء فحوص المتابعة التي أصبحت سلبية .
اللقاح والوقاية الكيماوية :
لقاح ب ث ج هو ذرية مضعفة من العصيات السلية البقرية . يعطي اللقاح عن طريق الحقن داخل الأدمة للأشخاص غير المصابين بالعدوى ( الأطفال) لحمايتهم من تطور الإنتان الأولي .
ويجري هذا التلقيح في أصغر سن ممكنة ويمكن أن يكون ذلك عند الولادة.
السرطان والسل :
ليس مرض السل كما يريد أن يصوره البعض مرضاً قد قضي عليه ! . بل هو ما زال موجوداً ويسبب معضلة طبية – اجتماعية حقيقية. وأكبر خطر لهذا المرض أنه مرض سار وسهل الانتقال في الحياة اليومية ! أما السرطان فهو لا يزال أهم مشكلة طبية لم يتمكن العلم من الوصول إلى أسرارها . ولكنه مرض غير سار ، ولا علاقة له بالمستوى الاجتماعية ، فهو يصيب الغني والفقير والجاهل والمتعلم والصغير والكبير . والسرطان موجود منذ القدم، غير أن طرق الكشف عنه لم تكن متوافرة كما هو الحال الآن ، ولذا أصبحنا نرى ازدياداً في أعداد المصابين بالسرطان.
لا شك أن السرطان أخطر بكثير من السل ،ولكنه رغم ذلك لا يحمل صفة العدوى والانتشار .
التدخين والسل :
تم إجراء دراسة تحليلية عن علاقة تدخين السجائر مع التدرن الرئوي عند البالغين .ولقد وجدت علاقة واضحة بين البدء بالتدخين في عمر مبكر وبين التدرن.
– فالمدخنون الإيجابيون الذين باشروا التدخين بعمر 20-15 سنة ، كان لديهم خطورة أعلى للإصابة بالتدرن الرئوي مقارنة مع المدخين الآخرين .
– والمدخنون لفترة أكثر من عشر سنوات لديهم خطورة أعلى للإصابة بالتدرن.
– الأشخاص الذين يدخنون أكثر من عشر لفافات في اليوم وجدت لديهم نسب خطورة أعلى من غير المدخنين .
– وجدت أيضاً نسب أكبر للإصابة بالتدرن عند المدخنين السلبيين الذين يتعرضون لدخان سجائر المدخنين المجاورين في مكان العمل ، وذلك بالمقارنة مع غير المدخنين الذين لا يتعرضون للتدخين السلبي .
وهكذا فإن حملات مكافحة التدخين ستعطي أثراُ إيجابياً في مكافحة حدوث التدرن . وإن إيقاف التدخين يجب أن يكون في أولويات جميع المهمات التي تقدمها الخدمات الصحية .
الإيدز والسل :
تشير جميع الإحصائيات التي أجريت في العالم وخاصة في الدول النامية إلى أن عدد الإصابات بالسل تتزايد وتتفاقم عند الإصابة بالإيدز . حيث إن جهاز المناعة المقاوم يضعف بشكل حاد عند المصابين بمرض الإيدز ، ما يسمح لعصيات السل أن تجد المسرح الخصب والضعيف المناسب .
يحذر الباحثون من ارتفاع الإصابات بفيروس HIV يزيد نسبة الإصابة بالسل الرئوي . وقدرت مجموعة من الباحثون في بريطانيا أن تزايد الإصابات بفيروس نقص المناعة المكتسب أكثر من 23 مرة عن عام 1997 ، سوف يرفع أعداد الإصابات بمرض السل الرئوي . وإن حاملي الفيروس سوف يكونون عرضة للإصابة بالتدرن الرئوي أكثر بثلاثين مرة من الأشخاص غير المصابين بالفيروس .
وبالرغم من المعالجة الفعالة لمرض السل ، الذي ينتقل بواسطة السعال والعطاس فإنه يقتل أكثر من مليوني شخص سنوياً في شتى أنحاء العالم. ومن الضروري إجراء فحوص دورية لدى حاملي فيروس نفص المناعة ،وإجراء حملات توعية لتقليص انتقال هذا الفيروس .
الحمل والسل :
– إن السل الرئوي لا يقلل من نسبة حصول الحمل ،ولكن إصابة الجهاز التناسلي بالسل قد يقلل من نسب حصول الحمل الطبيعي .
– تعاني المرأة الحامل خلال الأشهر الأربعة الأولى من ضعف في مناعة الجسم ،وهذا بدوره ينشط الإصابة السلية ، لكن تأثير هذا العامل يزول بعد الشهر الرابع للحمل .
– إن حالة الإرهاق التي تعاني منها المرأة أثناء الولادة وبعدها تؤدي لضعف المقاومة .
– يفضل عزل الوليد عن الأم المصابة ثم يعطى الوليد لقاح السل في نهاية الأسبوع الأول .
– لا ينصح بحدوث الحمل أثناء الفترة النشطة للإصابة السلية .
– ينصح بإنهاء الحمل إذا حدث تراجع مستمر في الحالة الصحية للمرأة والتي لا تزال في بداية الحمل ، وكذلك عند وجود أمراض أخرى مرافقة للسل مثل السكري أو الأمراض المفصلية أو الكلوية .
خاتمة :
ما زال التدرن مرضاً يهدد الصحة العامة في العالم ، ومع تفاقم خطر الإيدز وما يسببه من تدهور في المناعة الخلوية يتوقع أن يزيد خطر انتان التدرن .
ورغم توافر العلاج المناسب والشافي ، فإن الأوساط الطبية في العالم ما زالت عاجزة عن السيطرة على هذا المرض ، وتكمن الأسباب الرئيسية في :
1- إساءة استعمال الأدوية المتاحة .
2- وإهمال المريض لتناول بعض الجرعات خلال فترة العلاج .
3- وعدم متابعة الحالات المكتشفة حتى الشفاء التام ! .
يجب على المصاب عدم الخوف من المرض ، لأن السل في نهاية مرض قابل للشفاء كما أن عليه ألا يخجل من المرض ، وألا يتحول خبر الإصابة إلى كارثة تزعزع أركان الأسرة . وأن يعرف أن السل مرض قابل للشفاء بشكل كامل.
الأستاذ الدكتور هارون الخير
رئيس هيئة تحرير مجلة طبيب الأسنان العربي