المعلوماتية في البلدان النامية – تكنولوجيا لم نشارك في بنائها تحولت إلى هيمنة واحتلال بطريقة جديدة
الدكتور المهندس فواز حسن
( ليس المقصود من هذه الكلمات التهويل على أحد أو إعطاء صورة مقلوبة أو مشوهة عن ما يمكن أن تفعله تكنولوجيا المعلومات في تطوير بلد ما لكن يجب أن لا نبقى ضيوفا على موائد العلم والمعرفة فيلفظنا التاريخ إلى حدود الهامش المهمل ونقع أسرى بيد من لا نريد وتتحول النعمة نقمة واني أرى في بعض دول العالم ما آلت إليه الأمور )
التغيير سنة الوجود والكون قائم على التغير والحركة، وإذا كان الإنسان جزءاً من هذا الكون فان التغيير يشكل جوهر حركته ومسيرته في الحياة، إذ أن فعل الإنسان بحد ذاته منبثق من الدواعي الذاتية لوجوده، فهو يفكر ويبدع ويبتكر ليغير واقعه ويضيف الأحسن لحياته المعنوية والمادية بالاتجاه التصاعدي نحو التكامل .
( المنطلق من القول الحكمة للقائد الخالد حافظ الأسد بأن الإنسان هدف الحياة ومنطلق الحياة ….) .
فالإنسان ينتج التغيير وينفعل مع التغيير القادم إليه من الخارج، لأنه بطبيعته التكوينية كائن متحرك يسعى للكمال عبر حياة تصاعدية وتعددية مبنية على التنافس الفعال من اجل سبق الآخرين والتفوق عليهم، فروح التغيير موجودة في أعماق التشكل البشري وانه سنة اجتماعية لا يمكن إلغاؤها .
إن حقيقة قيام الأمم وقدرتها على النهوض يعتمد أساسا على مدى قدرتها على إيجاد التغييرات اللازمة لتطوير حركتها التصاعدية، وعلى نوعية استجابتها للتغييرات الخارجية التي تهب عليها من جهات أخرى، لذلك فان الأمم التي لا تستجيب للتغيير تحكم على نفسها بالموت، فانحطاط اغلب الحضارات وانقراضها يبدأ عندما تعجز عن فهم بأنه يجب أن تغير من واقعها استجابة للمستجدات التي واكبت الحركة البشرية المتصاعدة. وفي هذا الصدد يقول أحدهم ” بان المجتمع الراكد هو الذي يقف في مكانه بدون تجديد حيث يركد كل شيء ويسير الزمان ببطء وتخلو الحياة من التجدد، أما المجتمع المتصاعد فلابد أن يكون التصاعد من ذاته……… ”
وهذا هو اخطر التحديات التي تواجه الأمم الساكنة التي لا تستجيب لأعاصير التغيير الواردة عليها لتصبح مفتوحة يهب عليها الدمار فيجتثها من أسسها فتفقد هويتها وروحها ويشكل منها مزيج من لوحة سوريالية غامضة لا يفهمها حتى من رسمها، وهذا ما هو حاصل اليوم، حيث أصبحت أبوابنا مشرعة للأعاصير العاصفة علينا فاخترقت ثقافتنا وأجيالنا وأصالتنا لنصبح مجرد هامش ضحل نقتات فيه من أفكار الآخرين ونعيش على أمجاد انتصاراتهم ونصفق لابتكاراتهم.
وإذا كانت بداية القرن العشرين هي نقطة انهيار الأمة الساكنة والراكدة والعاجزة عن التغيير عندما بدأت تتشبث بأذيال الغرب وتتشبه بأبطالهم ومفكريهم فان هذا التغيير لم يحدث إلا على مستوى محدود شمل بعض النخب والمجاميع حيث أوجد بعض التيارات الفكرية المقلدة في جوهرها والمتقدمة في ظاهرها.
وبالطبع فان مقدار التشكل المعوج الذي أصاب أبنيتنا الفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية اعتمد على مستوى قوة أعاصير التغيير الخارجية العاصفة بنا ومدى شموليتها التي كانت محدودة في بدايتها، ولكن مع مرور الزمن أخذت التحديات تزداد خطورة مع حصول التغييرات الكبيرة التي هزت العالم و أحدثت تغييرات هائلة مادية وفكرية واقتصادية وبالخصوص الثورة التكنولوجية والمعلوماتية التي فتحت أبواب العالم وأوصلت آثارها حتى أقصى نقطة في الأرض، فلم يعد هناك عاصفة محدودة بل هو إعصار هائل أذاق كل العالم من وباله.
فلم يحدث تغيير كبير في البنية الحركية والتطورية للعالم مثلما يحدث اليوم، فالآلاف الستة من السنوات التي تشكل التاريخ المدون للبشرية لا تمثل سوى العُشر الأخير من الثانية، وقد احتاج الإنسان إلى 1750 عاما لمضاعفة معارفه التكنولوجية وهي مرحلة تمثل الثلث الأخير في هذا العُشر من الثانية، بعدها أخذت القفزات تتسارع ففي 150 عاما تضاعفت مرة أخرى علوم البشر ثم مرة أخرى خلال خمسين عاما، هذه الخبرة البشرية تضاعفت مرة خامسة بين عامي 1960-1980 مما يعني أن ما كان يقتضي آلاف السنين من التطور يتم خلال عقد واحد وربما اقل في المستقبل كأننا أشبه بركاب قطار زمني يخترق التطور اختراقا وكلما ازداد توغلا في المستقبل ازدادت سرعة اختراقه. هذا الطوفان الهائل الذي اقبل بفوضى من المعلومات أحدث تغييرات كبيرة في الثقافة والنفسية البشرية وخلف تراكمات ثقيلة يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الانحطاط الأخلاقي والتفكك المعنوي، ذلك أن ابسط المعلومات تشير إلى أن مورد المعلومات سوف يتزايد عام 2005 أربعة أضعاف سرعة تزايد السكان وها هو جيلنا يبدو وكأنه حشر بكامله بين عصرين وأسلوبين للحياة واحد قديم وآخر جديد، انه تغيير سريع مذهل وكلي. كل هذا يحدث في المجال المادي حيث تطورت الحياة المادية للبشرية وازدادت رفاهيتها أما الحياة المعنوية فعلى العكس من ذلك ازدادت الروح بؤسا بازدياد الانحطاط الروحي والتفسخ الأخلاقي وهذا هو أسوأ ما رافق الحضارة المادية، لان أي تطور لا يمكن أن يكون مثمرا ما لم يصاحبه تغيير ثقافي وفكري ونفسي مدروس وعقلاني ضمن حركة اختيارية واعية. أما التغيير الذي يفرضه التطور المادي دون وجود اختيار واعي فهو التغيير الذي سوف يبني تشكيلة فوضوية للفرد والمجتمع كالتغيير الذي يحدث في أبناء الريف عندما يسكنون المدن. ويرى علماء الاجتماع أن التقدم المادي يجب أن يساوقه تغيير معنوي لان عناصر الثقافة تتغير بنسب متفاوتة فالعناصر المادية في التراث الثقافي تتغير بسرعة اكبر من العناصر المعنوية لذلك كان على المتغير المتابع وهو الجوانب المعنوية أن تتغير بنفس السرعة حتى لا يحدث تخلف ثقافي ويطلق على فترة التخلف هذه اسم التكيف المتأخر أو سوء التكيف ويترتب عليها في الغالب حدوث اضطراب في العلاقات الاجتماعية أو انحلال اجتماعي.
إن اخطر التحديات التي تواجهنا هي أن الثورة المعلوماتية التي تخترق أساسياتنا وتحدث تغييرات هائلة في حياتنا يمكن أن تخلف فينا آثارا سلبية كبيرة تعصف بحياتنا الاجتماعية والفكرية والثقافية لأنها تحدث تحولات مادية هائلة في كل نواحي الحياة اليومية مع عجز واضح عن الاستيعاب الواعي لحركتها الاندفاعية.
وإذا كان الغرب هو الذي أبدع هذه الثورة الحديثة فإنه يلهث وراءها حتى لا تستبقه كالمارد الذي أطلق من سجنه ولا يمكن التحكم به، هذا الغرب المتطور في بعض جوانبه قد ساوق التطور المادي خطوة بخطوة منذ بواكير النهضة الصناعية الأولى عبر تطوير كيانه في بعض الجوانب الفكرية والإدارية والثقافية وان كان اخطر ما فيه الجشع الاقتصادي الذي ينتزع منه كل نوازع الخير والأخلاق. أما نحن فمجرد أدوات مستهلكة نعيش على هامش التحولات الحقيقية نستقبل سلبياتها ونستدبر إيجابيتها. لذلك لابد من معرفة سلبيات المعلوماتية وآثارها الضارة حتى نستطيع التحكم بمسارها في حياتنا بوعي ودراسة.
بعض الآثار السلبية للمعلوماتية
تتنوع الآثار السلبية للثورة المعلوماتية بتنوع أدواتها واختلاف أهدافها ولكنها تسير كلها في إطار واحد وهو تأسيس بناء حضاري زائف يعتمد على وجود المظاهر والقشور مع إفراغ الجوهر الحقيقي للإنسان روحا وعقلا وأخلاقا. فمن هذه السلبيات:
تزييف الواقع
من المفترض أن يكون دور المعلومات هو إيصالها للفرد لتنمية معارفه وتطوير حياته تطورا متناسقا ومتكاملا لكن ما يحدث في ضمن هذه الظاهرة أن المعلوماتية تحولت إلى سوق تجاري يهدف إلى بيع اللهو والمتعة والرفاهية والفساد للناس وان كان ذلك يؤدي إلى تزييف الواقع وجعل الوهم واقعا ورسم عالم خيالي يخوض فيه الناس أحلامهم ومتعهم وهم ينتشون بمتعة التخدير والهروب من الواقع. ومع انتشار ما يسمى بالواقع الافتراضي Virtual Reality أي واقع هو من صنع الخيال ولا أساس لوجوده في الواقع الحقيقي فبوسع المنتفعين بهذه الثورة أن يتلاعبوا مع الصور وبالتالي مع الحقائق وان يصطنعوا صورا للواقع لاوجود لها مما يمكنهم التلاعب بمقدرات عالم المهمشين الأميين الملفوظين من عالم ثورة المعلومات. وعندما يتحول العلم إلى مجرد سوق يهدف إلى الربح فقط فانه يصبح خطرا على البشر لأنه يستخدم العلم لتضليل العلم بأي صورة كانت، إذ تهدف طبقة الواحد بالمائة من سكان العالم التي تمسك بمقاليد الأموال والإعلام إلى تسويق وبيع كل شيء بدءا من السلع ومرورا بالأشخاص وانتهاءً بالأفكار، إنها تخلق المفاهيم وترسم الصور وتسمى صانعة التماثيل والصور، ويجري بيع أشباه المنتجات وليس المنتجات الحقيقية للناس وصورا للأفكار والتشريعات وليس التشريعات الحقيقية منها وكذلك أشباه السياسيين وليس الأشخاص الحقيقيين لهؤلاء السياسيين. وهم لم يتوقفوا عند تسويق المتعة واللذة بل دخلوا إلى أفكار ونفوس البشر لخلق أوهام وقيم تتناسب ومنافعهم، فالخطر الكامن في العولمة هو في قوة وسائلها وتأثيرها في الأجيال الناشئة منذ نعومة أظفارهم واعتمادهم على أقوى طرق التأثير الفنية في الحركة والصوت والصورة لدرجة حولت أبطال الأفلام الأمريكية ولاعبي الكرة والتنس وعارضات الأزياء إلى رموز وأبطال الجيل الناشئ الذين اعتبروا هذه المظاهر هي الحضارة والتطور وطريق النجاح.
وبهذا يرسم لنا تجار المعلوماتية الواقع الوهمي الذي يسير عليه أبناءنا وينهلون من نبعه الفاسد أفكارهم وقيمهم الأخلاقية والسلوكية فهل تستطيع الأمة يوما ما في القريب أن تمتلك أصالتها وتؤسس نهضتها أم أنها ستصبح مجرد جزء من ذلك القطيع الالكتروني الذي يدجنه ملوك الغرب..؟! لا شك أن هذا يعتمد على مدى وعينا وفهمنا للمتغيرات القادمة علينا.
دكتاتورية جديدة واستبداد معلوماتي
مع تزايد وتيرة نمو المعلوماتية وتقدم أدواتها التكنولوجية يعتقد البعض أن العالم سيصبح اكثر ديمقراطية وان الاستبداد في طريقه للانحسار، وهذا ما يبشرون به من أحلام العولمة والاندماج العالمي. ولكن ما تفرزه العولمة من سلبيات وما تشكله من مظاهر يتجه الاعتقاد الأساسي إلى إن المعلوماتية ما هي إلا وسيلة لترسيخ الاستبداد والدكتاتورية ولكن على نحو عالمي وشمولي يقضي على أشكال التنوع والتعدد واستحالة المنافسة مع بقاء التنافس منحصرا في يد قلة قليلة من ملوك المال والإعلام والمعلومات.
وتشير الأرقام إلى أن اندماج الشركات الكبرى وتكتلها يزداد يوما بعد يوم إلى الاحتكار المطلق للإعلام والمعلومات حيث بدأ عدد الشركات المسيطرة على الإعلام في الولايات المتحدة بالانكماش من 50 شركة عام 1984 إلى 26 شركة 1987 ثم إلى 23 شركة 1990، وواصل تراجعه إلى حوالي 20 شركة عام 1993 وما إن حلت سنة 1996 حتى استقر العدد على عشر شركات منها:
تايم وارنر، ديزني، جنرال الكتريك… وهذا يقودنا إلى الاستنتاج إلى أن العالم يتجه إلى مزيد من السيطرة المطلقة للأقلية المستبدة التي تتحكم بقرارات العالم الإعلامية والسياسية والاقتصادية حيث تتحكم بمصادر المعلومات من إنتاجها وصناعتها وتسويقها، فسواء رجع حرمان الجماهير من حقها المشروع في التعامل مع صناع القرار إلى الاستبداد بالحكم أو الأساليب الملتوية للبيروقراطية أو نتيجة للتعقيد التكنولوجي فان الانحسار الناتج في العملية الديمقراطية واحد وهو حرمان الناس من اخذ القرار وتزايد القيود بشكل متزايد. لقد وصل تحكم ملوك المعلومات في سياسات العالم إلى حد صناعة الحروب وإسقاط الحكومات ونشر الفوضى في العالم وما نراه اليوم في العراق مثال واضح .
إن المعلوماتية هي وسيلة بيد استعمار السوق للهيمنة على الثقافة وتصنيع الإيديولوجيا التي باتت تحملها نخبة كونية متجانسة تسعى إلى تنميط العادات والثقافات وطرائق العيش على نمط واحد تختزل الحريات إلى حرية التعبير التجاري وحقوق المواطن إلى حق التمتع بسيادة المستهلك وتعميم التوهم بان الوضع القائم هو سقف التطلع الإنساني ولم يعد هناك سوى خيار الرأسمالية القائمة.
قد لا تكون هناك دكتاتورية واضحة في البين ولكن يوما بعد يوم تتضاءل خيارات الفرد في الاختيار ويصبح عليه السير في اتجاه واحد فرضته عليه القوانين التي وضعها ملوك المعلومات في إطار لعبتهم الإلكترونية باعتبارهم يحتكرون كل وسائل إنتاجها ومواردها، وتحكمهم في بناء نظام القيم والتفكير التي ترسم سلوك الفرد وشخصيته، فما يحتكرونه ليس البيانات نفسها بل أسلوب التفكير المعتمد والمقرر والمكرس رسميا أي تعريف أي شيء يكون معقولا أو مقبولا.
وإذا كان الهدف من كل ذلك هو اقتصادي فان تبريراتهم تتجه لتكثير الزبائن المستهلكين لمنتجاتهم وتحقق ذلك لهم عبر امتلاك واحتكار أدوات الثقافة والإعلام فحكموا سيطرتهم على كل نواحي الحياة ومسخوا العقول وغسلوها بقيمهم المادية التي تعتمد على السلوك الإباحي المطلق واللذة المنفتحة دون وضع أي اعتبار للقيم الإنسانية والأخلاقية والدينية، وهذه الأحادية التي يفرضونها بوسائلهم القمعية غير المباشرة تسحق الثقافات الأخرى وترفض التعددية فهي تعاقب كل من لا يخضع لقوانين السوق حتى لو أنتجت فقرا وبطالة وهوة ساحقة بين الطبقات، وما كان يسمى بالأنظمة التوتاليتارية ذات الحزب الواحد حل محلها اقتصاد توتاليتاري في عصر العولمة المرتكز على فكر أحادى.
ويرى أحدهم ” إن عولمة الإعلام هي التركيز في ملكية وسائل الإعلام الدولية وانخفاض التنوع والمعلومات مقابل الزيادة في التوجه للمعلن، فالعولمة هي التوسع في التعدي على القوميات من خلال شركات عملاقة شاملة ومستبدة يحركها أولا الاهتمام بالربح وتشكيل الجمهور وفق نمط خاص لا يدخل الساحة السياسية ويزعج أو يهدد نظام القوى أو السيطرة في المجتمع “.
من المفترض أن تساهم الثورة المعلوماتية في بناء الفكر الإنساني وتطوره الحضاري العام ولكن اتخاذها اتجاها سلبيا في تحقيق مآربها وضع هذه الثورة في طريق تهديد الوجود الإنساني الحقيقي وتحوله إلى مجرد وجود هامشي يعيش فارغا لا يفكر ولا يقرر ولا يشارك ولا يتعاون، انه مجرد حيوان يأكل ويشرب ويلبس ما توجه نحوه وسائل المعلوماتية. كل هذا لاشك انه سيقود إلى ترسيخ حالات ضحالة الفكر وتسفيه العقل وسلوك التفاهات في عالم سوف تزداد فيه الفوضى والعنف والفساد بعد زمن قد لا يرى فيه العالم القيم الأخلاقية لمدة طويلة. ويقول ريتشارد نيكسون في التعبير عن ذلك بشكل آخر:
من السمات الأساسية لأسلوبنا في الحياة إيماننا بأنه عندما يعمد الحكام إلى الاستئثار المنظم بالمعلومات التي هي حق خالص لجمهور الشعب فان أفراد الشعب سرعان ما يصبحون في وضع يجهلون معه كل ما يتعلق بشؤونهم الخاصة كما سيفقدون الثقة في هؤلاء الذين يسيرون أمورهم وسيفتقرون في نهاية الأمر إلى القدرة على تحديد مصائرهم الخاصة.
وكلما زادت فورة المعلوماتية ازداد العالم قربا إلى بعضه ولكنه يزداد عزلة وغربة، وكلما يتصور انه عندما ينال المعلومات الوفيرة يزداد حرية يحس بالاختناق وان القوانين والقيود والعيون الإلكترونية تلاحقه عبر الأقمار الصناعية والهاتف والكومبيوتر حتى اصبح لا يملك أي إحساس بتفرده واستقلاليته الشخصية. وفي الوقت الذي أزالت فيه الثورة التكنولوجية الجديدة العقبات أمام حرية انتقال المعلومات زادت القيود والعقبات أمام انتقال الأفراد في ظل القوانين المتشددة في مسائل الجنسية وإقامة الأجانب وهكذا فإننا نعيش في عالم اكثر تقاربا وتداخلا في تعامله مع البضائع والأموال والمعلومات لكنه اكثر تباعدا عندما يتعلق الأمر بانتقال البشر.
المعلوماتية الرأسمالية
من المظاهر السلبية التي أفرزتها هذه الثورة الجديدة أنها تحولت من أهدافها الحضارية التي تتوجه لتوسيع المعرفة البشرية ورفع الجهل وإيصال المعلومات إلى أقصى نقطة في الأرض، اذ تحولت المعرفة إلى مجرد استثمار تجاري ينتفع منه الرأسماليون لتضخيم أرباحهم مهما كانت الوسائل والنتائج، وحينئذ يمكن أن تتصور كيف يمكن أن تتحول المعلوماتية إلى أدوات استغلال تجاري محض..! يقول رالف سميث مؤلف كتاب الأمة السلكية: إن مؤسساتنا تبدو عاجزة – وقد وجهت بتكنولوجيا جديدة – عن تحقيق أي مفهوم للمصلحة العامة باستثناء إرضاء المصالح الاقتصادية، ويضحى بالمصلحة العامة لكي لا تتعرض المصالح الاقتصادية للفئات المحدودة قوية النفوذ لأي ضرر. ولا تعبر كثرة مصادر الاتصال عن حقيقة تنوع الأفكار والثقافات وبالتالي نشاط العقل الإنساني في إثراء المعرفة البشرية، ذلك أن كل المواد والمنتجات الإعلامية والمعلوماتية مثل المواد الترفيهية والأخبار والتوجهات والأفكار يجري انتقاؤها جميعا من الإطار المرجعي الإعلامي نفسه من جانب حراس للبوابة الإعلامية الذين تحركهم دواع تجارية لا يمكن التخلي عنها وقد يختلف الأسلوب والتعبير المجازي لكن الجوهر واحد. وهذا يعني أن جوهر السوق الرأسمالي يتعارض مع استخدام المعرفة أخلاقيا لأنه اقتصاد فوري يعمل ضمن إطار حسابات الربح والخسارة فيخرج كل الاعتبارات الأخرى من دائرته ويحصر المعرفة بشكل مطلق في حصار منفعته الشخصية. والمعرفة يمكن أن تصبح وسيلة تدميرية هائلة إذا أصبحت تحت السيطرة المطلقة للرأسماليين لأنه توجه حينئذ لتحطيم اقتصاديات الآخرين والحصول على الربح بأي شكل كان، فقد تحولت الرأسمالية (المعلومالية) إلى اقتصاد عالمي قائم على الاستلاب حيث يستولي على ثروات الآخرين من خلال المضاربات والتحريف وهو يدوس ويسحق الاقتصاد الإنتاجي الذي يقوم بتوفير السلع والخدمات وعلى هذا الأساس يمكن وصفه بأنه قائم على السلب والتطفل على الآخرين. ومن هنا فقد تم دمج نفوذ المال والتمويل إلى قوة الوسائل التي أتاحتها التكنولوجيا ووسائل الإعلام لإفراز نظام جديد للرأسمالية (المعلومالية) يكون مسرحه اقتصادا عالميا جديدا يتم تسويق مبادئه غير المقدسة من خلال شعارات تحمل طابع القداسة. ولكن تظهر التناقضات من خلال ممارساتها فحضارة العولمة هي نفسها الرأسمالية (المعلومالية) قائمة على المطامع والجشع وكلاهما غريزتان جاءت كل الأديان والمبادئ الأخلاقية لتحد من الإفراط في ممارستهما ولكن عندما تم الفصل بين الاقتصاد والأخلاق والقيم الإنسانية اصبح العالم الذي يمتلك المعلومالية التكنولوجية القابلة للتفجر، على درجة من الخطورة تزيد عما يمكن للجشعين المضاربين أن يفهموها أو يعترفوا بها.
وفي ظل هذه الرأسمالية النهمة يزداد الوضع خطورة إذ تتحول المعرفة إلى أداة تدميرية مهلكة كالتي اخترعت القنابل النووية والنيوترونية والهيدروجينية، وليست القنابل المعلوماتية اقل دمارا منها حيث يمكن الآن توجيه القنابل المالية المعلوماتية نحو أي بلد لتتركه خرابا ودمارا دون إطلاق رصاصة واحدة فأجهزة الكومبيوتر التي تعمل بشكل ذاتي تستطيع في غضون ثوان أن تسحب المليارات من أموال المضاربين العالميين لتترك البلد محطما مدمرا بعد أن تستنزف احتياطاتهم وتطيح بعملته الوطنية وتسبب إخفاقا في تسديد ديونه ليتم إخضاع هذا البلد في النهاية إلى حقيبة إنقاذ صندوق النقد الدولي.
ويمكن حينئذ أن تكتشف إن هذه الرأسمالية المسيطرة على تكنولوجيا المعلومات تسيطر على نواحي حياتك من جميع الجهات أليست هي التي تتحكم بأسعار النفط صعودا وهبوطا وهي التي أنتجت أزمات بورصات الذهب والأسهم والعملات حيث تقوم بتحطيم أي مؤسسة اقتصادية تحاول أن تكون مستقلة عن تبعيتها كما حصل ذلك مع بعض البنوك المالية.
فالمعلوماتية تحمل أخطارها ضدنا عندما تسيطر على كل مفردات حركات اقتصادياتنا فنصبح رهائن في قفص ملوك المعرفة والمال ليفرضوا علينا أفكارهم وقيمهم وسياساتهم.
الآثار الفكرية والنفسية والأخلاقية
يمكن القول بان هجوم أسراب المعلوماتية فوق سماء عقولنا وثقافتنا وإلقاءها علينا بكم هائل من المعلومات العثة والسمينة سوف يخلف آثارا سلبية كبيرة في تشكيل الأفكار والأخلاقيات والقيم وتؤسس بناء معرفيا هشا قائما على السطحية والتغرب والتفاهة، ويمكن أن نعدد مظاهر هذه السلبيات هكذا بان المعلوماتية:
تخمة معرفية
تحتوي على الصالح والطالح وحينها يكون الصالح لا قيمة له حيث يسيطر المضر من هذه التخمة على مقدار المعلومات المنشورة، وتشير الإحصاءات إلى أن المعلومات العامة تتضاعف كل سنتين ونصف السنة مما يعني وجود تراكم معرفي ضاغط يفرز ضغوطا نفسية وعصبية مما يقلل في المقابل من الإنتاجية ومن التركيز، كما يلاحظ أن هذه التخمة اقرب للترفيه والاستغلال التجاري منها إلى المعلومات المفيدة.
فقدان النقد والتحليل
كيف يمكن أن يمتلك الفرد الوقت اللازم مع هذه التخمة لنقد المعلومات وتحليلها ووضعها في ميزان التقييم أو معارضتها وقد اجتاحته كطوفان لم يبق فرصة للتشبث أو البقاء، لذلك نرى إن قبول الأفكار الغربية والتسليم بها يزداد يوما بعد يوم حتى اصبح التشبه التغريبي من أهم مظاهر التقدم.
ومع اضمحلال الحاسة النقدية يصبح الفرد آلة مسيّرة تقوده أدوات المعلوماتية وتوجهه نحو سياساتها واقتصادها ليصبح مجرد زبون مستهلك لما ينتجه الملوك. ويمكن أن نرى كيف سيطرت ثقافة التلفزيون في حياة الناس فتحكمت بحياتهم بشكل مطلق وفرضت عليه شكل التفكير والأكل والشرب والملابس وأسلوب التربية فاصبح التلفزيون منبعا أساسيا للمعرفة وهي معرفة مبسطة يتملكها المشاهد دون أن يبذل أي جهد نقدي ودون أن يعبأ بخلفيات ولا أبعاد الأحداث التي يشاهدها فهو مجرد شاهد على الحدث ليس إلا.
ويرى البعض أن المعلوماتية اليوم بأدواتها الأخطبوطية تساهم في نشر الكثير من السلبيات حيث تقتل الإبداع والابتكار وتشجع على الكسل والخمول بعد أن ينال الفرد كل المتعة واللذة التي يرغب بها دون أي جهد وتفكير فيستهلك وقته في التفاهات وينشأ على حب وتبعية التافهين المتشبهين بأبطال من ورق والصور الإلكترونية التي يصنعها ملوك المال ليسوقوا بضائعهم وأفكارهم وقيمهم الفاسدة. وقد اصبح الإعلام المقروء والمبثوث فضائيا في بلادنا هو نسخة أخرى للإعلام الغربي حيث لا تجد في المعلومات المنشورة غير المتابعات السطحية وبرامج اللهو الخليع التي تزيد في سطحية التفكير وضآلة العقل وتحرفه عن التفكير في أساسيات الحياة وبالتالي تقتل فيه روح المعرفة والعلم والإبداع والمسؤولية وتحوله إلى فرد غير مسؤول عن أفعاله وغير مبال بالقيم والأخلاق والدين والقانون.
وتصبح علينا الأخطار اشد إذ تعصف هذه الثورة وتكتسح أجيالنا وتستبيح عقولنا فلا وقت للتفكير والتمحيص والتردد النقدي وسائر ما يمكن أن يحمي الوعي من السقوط في إغراء الخداع وتنهار ملكة التحوط ويتحول الوعي إلى مجال مستباح لكل أنواع الاختراق، وما سيصيب نظام القيم الذي يؤدي إلى تكريس منظومة جديدة من المعايير ترفع من قيمة النفعية والفردية الأنانية والاتجاه الغرائزي المجرد من أي محتوى إنساني، نعم ستغدق ثقافة العولمة على الجسد ما سيفيض عن حاجته من الإشباع تماما مثل جدتها العولمة الاقتصادية غير أنها ستقتل الروح وتذهب بالمحتوى الأخلاقي والإنساني لسلوك الناس، أليس مرعبا أن يصبح التلفزيون المؤسسة التربوية والتعليمية الجديدة التي تقوم مقام الأسرة والمدرسة.
الاغتراب والعزلة
فعندما يشعر الفرد بأنه يحصل على كل شيء يريده دون أن يكون في إطار الاجتماع والتكافل مع الآخرين فانه يبدأ بالانعزال تدريجيا عن المجتمع خصوصا أن أدوات المعلوماتية تقدم له واقعا اجتماعيا فرضيا يجتمع فيه إلكترونيا مع الآخرين دون أن يكون هناك أي تواصل إنساني حقيقي. هذه العزلة الفردية تولد عند الفرد اغتراب عن الواقع والمجتمع خصوصا عندما يبدأ بالتهرب من مسؤولياته الحقيقية في المجتمع.فالمعلوماتية خلقت واقعا جديدا أدى إلى إضعاف غريزة الميل للتواصل الحي مع الآخرين لان الشاشة تخلق لدينا وهم الاقتراب الزماني والمكاني من العالم الخارجي وهذا ما يترجم لدى المشاهد بالعجز عن نقل الموقف الفردي إلى موقف جماعي فيصبح الترفيه ملاذا يحرره من ثقل المشاكل والأحداث وهروبا من الشعور بالعجز التام عن الفعل وشعورا بالفرح لعدم وقوع ما يراه من كوارث وأحداث عليه إنما على الآخرين. فالشعور بالفردية والأنانية الجشعة يقود الفرد للعيش في عالم وحيد بلا عاطفة و إحساس، عالم تتغلب فيه الآلة على الإنسان فتمسخه إلى مخلوق لاإنسانية فيه، فمع تطور الآلة ونمو المعلوماتية يزداد الإنسان بعدا عن إنسانيته. وقد غدا من تحصيل الحاصل اليوم بان التكنولوجيات الجديدة للاتصال التي تلعب دورا أيديولوجيا مركزيا تعتبر الرافعة الأساسية لعصر الثقافة المعولمة الذي يتزامن مع ميلاد شكل جديد من أشكال الاغتراب. فالعولمة التي تبشر العالم بوعودها بالسعادة والعدالة وإيجاد عالم اكثر انسجاما وتوحدا بدت أنها تقود البشر إلى مزيد من العزلة والغربة والتفكك، لأنها تحرر الفرد من الحواجز المادية ولكنها تغرقه في مزيد من الحواجز النفسية والأخلاقية.
إنتاج وتوليد العنف
عندما يصبح هدف تجار المعلوماتية هو الربح والمنفعة الشخصية يصبح التنافس على إنتاج العنف والفساد والإباحية في اشده.. حيث تلاعب هذه القنوات الجشعة الدوافع الغريزية في الإنسان فتثيرها وتحركها لتزيد من أرباحها. ويوما بعد يوم تقدم هذه الأدوات أطباقا جديدة من حركات العنف والعدوان لتزيد من شهية البشر في الاعتداء على الآخرين وصناعة الحروب وتوليد الإجرام.
ففي الولايات المتحدة يمضي المواطن الأمريكي وفقا لبعض الإحصائيات 56 يوما في مشاهدة التلفزيون و11 عاما من عمره عندما يبلغ الثالثة والسبعين، وتعترف تقارير عديدة ومنها تقرير نشرته اليونسكو مؤخرا بان التلفزيون ينمي ثقافة العدائية خصوصا بين الأطفال ويشجع تحول العنف إلى ظاهرة عالمية. ذلك أن التعرض المتكرر للعنف يقلل من حساسية الفرد ويجعله لا مباليا إزاء العنف المنزلي فتغيب لديه مشاعر الشفقة تجاه الضحية فيقف متفرجا متبلدا لان المثابرة على مشاهدة العنف تفرض عليه التعامل مع الناس الحقيقيين كما لو كانوا على الشاشة. علما أن العنف المتلفز هو نتاج نظام ترويجي عالمي رأى فيه بعض الباحثين انه يمارس أثرا تخميريا ثقافيا مساهما على المدى الطويل في تسفيه العالم والحط من قيمته. والمفارقة في الأمر أن المخزون الأكبر لا نتاج المعلوماتية يعتمد على نشر اللذة والمتعة والإباحية والعنف والجنس وهي بذلك تقود العالم باستمرار نحو الانحطاط والانحلال عن الأخلاق والقيم والإنسانية، فانجيل الإعلام والقائمين عليه هو المادية والمال، والأعمدة التي يقوم عليها هي الجريمة والجنس والاستهلاكية. هذا التلوث الحضاري والثقافي هو ما تقوم به الجهود الرامية لعولمة الإعلام وتصديره إلى دول العالم المختلفة والعالم تجعله يصاب بنوبة جنون مفاجئة تجعله يقبل على هذا الذي يباع له ويولع به لقد امتزج العنف بحياتنا وهو يطل علينا يوميا من نافذة التلفزيون وقصص الصحف والمجلات والعاب التخيل الإلكتروني، وانه لامر مؤسف أن يمطرنا التلفزيون بوابل من العنف ولكن مالا يقل سوءا أن نشارك نحن في هذا العنف حتى ولو بصيغة تخيلية فما يمكن أن نطلق عليه عنف المشاركة يثير الرعب حقا فالعاب وبرامج الجنس والعنف قد تصل في تأثيرها على الناس إلى أبعاد لا نستوعبها الآن.
إلى أين تقودنا المعلوماتية؟
لا نقصد من طرح المعلوماتية بهذه السلبية إلا أن نوضح خطورة هذا المد الجديد على العالم وعلينا بالخصوص لو لم نتعامل بوعي وتعقل وتخطيط واستيعاب لأدواتها بشكل إيجابي ومفيد يخدم البشرية في إطارها الديني والأخلاقي والإنساني.
ولكننا نعيش أزمة تخلف حقيقية تضرب في أعماق البنية الفكرية والاجتماعية لتضع الأمة مفتوحة دون تحصن وحماية ذاتية أمام هبوب إعصار المعلوماتية، لان هذه الظاهرة تتجه إلى:
1) استعباد أبناءنا وأجيالنا عبر تصدير الأفكار والقيم والعادات المعلبة لصنع طابور هائل من الشباب يتغنى بأبطال الغرب الفاسدين ولتصبح أفكار وقيم الشباب متشكلة بالصناعة الغربية، لقد وردّوا إلينا حتى فرق عبادة الشيطان والشذوذ.
2) ضياع هوية الأمة في ظل الدعاية القوية التي تروج لها أدوات المعلوماتية من ضياع القيم الدينية واللغة والمفاهيم الأخلاقية، حتى أصبحت الهوية الأمريكية هي الهوية الأكثر انتشارا ووجودا. والأخطر من ذلك أن تضيّع الأمة وجودها وتغترب عن نفسها فتصبح مهمشة تسيطر عليها الازدواجية والضبابية وتسحقها الانهزامية، كما هو حال المتغربين الذين اصبحوا بلا هوية.
3) أن يؤدي الاندماج العالمي الذي تطرحه أدوات المعلوماتية لعولمة العالم إلى الاندماج التام وضياع أصالتنا وقيمنا وأخلاقياتنا لأنهم يريدون أن يصنعوا عالما تسيطر فيه قيمهم الاستهلاكية المنحطة بشكل مطلق.
4) أن تؤدي الثورة المعلوماتية إلى سحق اقتصاديات دولنا باعتبارهم يسيطرون على كل المعلومات الاقتصادية لذلك فقد يستخدمون هذا الأمر لضرب البنى الاقتصادية لدولنا وجعلها فقيرة لمزيد من التبعية السياسية والثقافية كما حصل ذلك في دول جنوب آسيا.
5) أن يؤدي الانفتاح الثقافي والإعلامي المطلق دون وجود تحصين ذاتي وعمل مضاد إلى نشر الإباحية والفساد الجنسي والشذوذ والمخدرات وهي أمور تروج لها أدوات المعلوماتية بقوة في بلادنا لتمييع أجيالنا وتفكيك الأواصر الأخلاقية والأسرية والاجتماعية.
ويبقى السؤال الرئيسي وهو كيف يمكن أن نواجه هذه التحديات الخطيرة هل بغلق أبوابنا وبناء أسوار حديدية شاهقة لصد الأثير وهو أمر مستحيل..! أم نقوم بإيجاد عوامل وعناصر التحصين الذاتي والمناعة الداخلية عبر رفع مستوى الوعي والفكر أولا والقيام بعمل مضاد يستوعب هذه الأدوات في إطارها الإيجابي في نشر قيم الخير والسلام ثانياً…!؟