موقع طرطوس

الملامسة . . ضرورة للحياة في المجتمع

الملامسة . . ضرورة للحياة في المجتمع

الملامسة . . ضرورة للحياة في المجتمع

” . . . عندما نلمس ، وتجمس ، ويربت على ظهورنا .. فإنما نمثل الطفولة بكامل مراحلها …” ” في أميركا ،والمانيا ، وانكلترا 150 مليون كلب وهر ، تتقبل سنويا 150 مليار لمسة مودة “.

ذكر العالم بأخلاق الشعوب وطبائعها ، ديسموند موريس ، في كتابه ” القرد العاري ” أن الافراد في المجتمعات الصناعية، أقلعوا عن عادة لمس بعضهم البعض ومع هذا فالاتصال بالملامسة ضروري للتناسق الاجتماعي ، والتوازن الفردي .

ولكننا في كثير من الأحيان نتجنب ملامسة بعضنا البعض ، خوفا من أن يعتبر أن هذا الاتصال عنصراً جنسيا  فتصيح شيئا فشيئاً متباعدين ، ويعقب هذا التبعد الجسدي ، تباعد عاطفي .ومع هذا ، فلسنا أحراراً في الفرح ، ولا البكاء على أكتاف بعضنا البعض ،لكن الحاجة الأساسية فكل ذلك حاضرة فينا . ومع الوقت يفقد الإنسان جزءاً من طبعه الإنساني .

هذه لمحة عن الاطروحة التي قدمها ديسموند موريس في كتابه الأخير ( التصرف الخاص) الصادر بعد ( القرد العاري) ، ( حديقة الحيوانات الإنسانية ) ، تلك الكتب التي لاقت رواجاً في الأسواق العالمية . . .
أن أولى انطباعات الإنسان هي المشاعر الناتجة عن ملامسة جسدية خاصة . منذ ولادته ،والطفل بحاجة لأن يلمس .. إن الملامسة توحي  إليه الحماية التي عرفها خلال تسعة أشهر .

وفي الأشهر الأولى التي تلي الولادة ، يكون الطفل بحاجة لمودة أمه :

أن تغمره بساعديها ، وتداعبه ،وتغسله ، وتربت على ظهره . وأن عملية ” الربت” على الظهر ما هي سوى ترجمة لمشاعرالام التي تحاول أن تقول من خلالها لطفلها : ” أترى كيف أحملك بقوة وأحميك ، وأصونك …” ؟ لكن هذا النوع من الملامس الجسدية لا يسمح به في المسقبل ،إذ أن الطفل عندما يبلغ سن الرشد ، يصبح بأمس الحاجة لإقامة علاقة خاصة ( غير جنسية) مع إنسان آخر في سن الرشد . من هنا إن الصبي ، في طور المراهقة ، يحب اللعب” الجسدي ” مع أترابه ، ووالديه ، ويقتصر هذا اللعب على العراك الحبي .

والراشدون من الناس ، لايعانقون بعضهم البعض كما يجري منذ ألفي سنة ، عندما كان عالمنا قليل السكان ، إلا في حالات شاذة ( كحلول كارثة ، أو أثناء فوز رياضي مثلا) وفي بعض البلدان الجنوبية تمارس هذه العادة بين الرجال بالربت على الظهر .وفي انكلترا مثلا، هذه العادة قلما تمارس إلا بين لاعبي كرة القدم … وقد يتخذذ الربت على الظهر شكل تهنئة ،أو تخفيف من وقع كارثة ،أو ألم ، وقد تختصر هذه الحركة بوضع اليد على الظهر فقط ، ويبدو أحياناً مظاهر أخرى من الملامسة الخاصة ( غير الدالة على العشق) تجري بين الراشدين من الأفراد وهي اليوم على طريق الزوال … النساء مثلا ، تربت الواحدة يدها ،وضمن شروط خاصة أو مناسبة فإنه يصار إلى لمس أو إمساك الرأس .. ولا يتم تقبيل الشفتين كما كان يجري في بلاد فارس منذ ألفي سنة .

ويتابع ديسموند قوله : لا يمكننا أن نتقارب جسديا دونما تقارب احساسي ، ولا أن نتقارب اجتماعيا دونما تقارب جسدي . ولكننا ، في حياتنا العصرية الملأى بالمشاغل ، نعجز عن الالتزام بهذا العهد ولو كنا نبدي حاجة إلى ذلك .

أن هاجسنا الوحيد هو إطلاق الحرية لذواتنا ، وممارسة حياة خاصة مليئة بالمودة . إنما أكثرنا يفشل في تبني هذا النوع من الحياة.. فنعوض عن كل ذلك بالتمثيل : نمثل أننا مرضى ، نمثل طفولتنا بسائر مراحلها ، كي يصار إلى لمسنا ، وتعزيتنا ! أنها أمراض نستسلم لها كي نتحرر من الحياة العصرية .

وقد نبتكر حلولا أخرى للوحدة الجسدية : كاللجوء إلى الخبراء في الملامسة الودية : كالمجملين ، والمزينين ، وأعضاء نوادي الصحة ..

وهناك مهرب آخر من الوحدة : – الحيوانات – : . . هناك حوالي 150 مليون كلب وهر في كل من الولايات المتحدة وألمانيا ،وانكلترا ،ولنتفرض أن واحدا من أصحاب هذه الحيوانات يداعب حيوانه أو يربت عليه بمعدل ثلاث مرات يوميا أي بنسبة ألف مرة في السنة ، فيكون قد تم ذلك بمعدل 150 مليار ملامسة في السنة الواحدة . ومما يدعو للعجب أن هذه الأرقام تمثل للأمريكيين والفرنسيين والالمان والانكليز صداقات مع حيوانات من آكلة اللحوم .

وتتوزع ملامسة الحيوانات حسب رأى الكاتب على النحو  التالي : % 50 تمسك الحيوانات باليد ، % 11 يربت عليها ، % 7 يطوقونها بذراعيهم ،أو يلامسون خدودهم بخدودها . . و %5 يقبلونها ،  ولا يهم إن كان الحيوان هرا ، أو كلباً ، أو .. حوتاً . . .

ومن الممكن استبدال الحيوانات الحية ، بحيوانات من القش ، التي تمثل تذكارا يحفظه المرء أحيانا حتى بلوغه سن الرشد . وبهذه الطريقة يمكننا الدخول إلى العالم الخاص للأشياء . ويلعب السيجار ، والغليون ، دوراً بالنسبة للرجل .. فهو لا ينفك عن المطالبة بهذا الشيء وعندما نرى كهلا ” بعض ” ” غليونا” بسرور فإنه يبدو واضحاً أن الدخان الذي يسنشقه يمثل له حليب الأم الساخن وتشكل الأصابع القابضة على الغليون أصابع الطفل القابضة على ثدي أمه .. وكذلك عندما نتأبط مخدة أثناء النوم فإن هذا العمل يترجم حاجتنا للاتصال البريء .

ويخلص ديسموند إلى القول ك ” . . . أن الإنسان – الحيوان ، ينتسب إلى جنس اجتماعي يملك المقدرة على الحب ، ويظهر حاجته لأن يكون محبوبا … ” .

Exit mobile version