موقع طرطوس

تعديل حديث لعملية دوهاميل لعلاج داء هيرشبرنغ

تعديل حديث لعملية دوهاميل لعلاج داء هيرشبرنغ

تعديل حديث لعملية دوهاميل لعلاج داء هيرشبرنغ

منذ أن بدأت تجرى عمليات جراحية لإصلاح داء هيرشبرنغ ( 1949 ، من قبل سونسون (Swenson ما تزال البحوث الطبية الجراحية تسعى بشكل مستمر للتوصل إلى أفضل الحلول في مجال التقنية الجراحية، تجلى ذلك بظهور عدة نماذج من العمليات الجراحية في هذا المجال ( عملية سونسون Swenson ، عملية سوافه Soave ، عملية ريباين Rhebein ، عملية دوهاميل (Duhamel ، وكل منها طرأ عليه بعض التعديلات .

إلا أن أكثر نماذج التقانات الجراحية شيوعاً هو عملية دوهاميل Duhamel والتي نشرت عام /1960/ في شكلها الأصلي ، بعد ذلك أجري عليها تعديل من قبل مارتن Martin عام . 1962

لقد بدأنا بإجراء عملية دوهاميل في مشفى الأطفال بدمشق في أوائل الثمانينات بالإضافة إلى نماذج تقانات جراحية أخرى مثل عملية سوافه وسونسون وريباين، وقمت بإجراء دراسة حول الاختلاطات وحالات النكس السريري والتشريحي المرضي في داء هيرشبرنغ في مختلف نماذج العمليات الجراحية له ( عرضت الدراسة في المؤتمر السنوي لمشفى الأطفال عام (1993 بينت تلك الدراسة الاختلاطات التي تنجم عن تطبيق كل نموذج من أنماط التقنية الجراحية لداء هيرشبرنغ ( سوافه، سونسون ، ريباين) وركزت بشكل خاص على الاختلاطات التي تنتج عن تطبيق عملية دوهاميل الأصلية وعن تعديل مارتن لها على أساس أنها الأكثر انتشاراً عالمياً، وتبين أنها تحمل نسبة لا بأس بها من الاختلاطات والعقابيل وقد توافقت هذه الدراسة مع دراسات مماثلة لنماذج هذه العمليات في عدة مراكز لجراحة الأطفال في العالم .

ويمكن التنويه أن أهم اختلاط لعملية دوهاميل الأساسية يكمن في تجمع البراز في الردب المستقيمي غير المعصب Rectal Stump أما أهم اختلاط في عملية دوهاميل- مارتن فإنه يكمن في وجود جيب كبير مكون من المستقيم غير المعصب والكولون المنزل المعصب.

وفي الحقيقة كنا نعاني كثيراً في المشفى من تلك الاختلاطات والعقابيل للعمل الجراحي لداء هيرشبرنغ والتي كانت في كثير من الأحيان أسوأ من أعراض المرض الأصلي نفسه. وكذلك الأمر بالنسبة لعلميات سوافه وسونسون وريباين والتي لكل منها اختلاطاتها وعقابيلها والتي قد تظهر بشكل مبكر وبشكل حاد أحياناً.

ولقد دفعنا هذا الأمر إلى التفكير بإجراء طريقة جديدة لتلافي تلك الاختلاطات والعقابيل، وتمخض ذلك عن إجراء تقنية جراحية جديدة وهي بمثابة تعديل لعملية دوهاميل الأساسية بطريقة مبتكرة وهو تعديل يتميز  بشكل جذري عن تعديل مارتن لعملية دوهاميل حيث أنه يمكننا بتطبيقه عملياً من تجنب الاختلاطات والعقابيل التي كانت تنجم عن عملية دوهاميل الأساسية أو تعديل مارتن لها.

لقد قمت بتطبيق هذه العملية المبتكرة لأول مرة في الشعبة الجراحية في مشفى الأطفال بدمشق في شهر آذار ./1996/

الأهداف الأساسية من تعديلنا هذا لعملية دوهاميل تتجلى في الأمور التالية :

–          تجنب تجمع البراز في الرتج المستقيمي غير المعصب ( الذي يحدث في عملية دوهاميل الأساسية )، أو تجنب تجمع البراز في الجيب المستقيمي الكولوني ( الذي يحدث في تعديل مارتن لعملية دوهاميل).

– مراعاة الحفاظ على التعصيب في الحوض .
–          الحصول على وظيفة تغوط مقبولة عملياً بإنزال كولون معصب بشكل كامل للقيام بوظيفة إفراغ كولونية فعالة.

وفي الواقع أن الحصول على الأهداف السابقة مجتمعة يخلق معادلة صعبة من ناحية التقنية الجراحية .

الفكرة الأساسية في التعديل الذي أجريته على عملية دوهاميل في النقاط التالية :

– محو جوف المستقيم غير المعصب Obliteration of the rectal stump وذلك بخياطة جدره إلى بعضها بعد نزع مخاطيته .

– المحافظة على المستقيم دون أن يستأصل وبالتالي تجنب حدوث أذية عصبية في الحوض.

– إنزال الكولون المعصب خلف المستقيم المخموص بدون أي ضغط مجاور وبكامل فعاليته الحركية Retrorectal transanal pull- through ، وبذلك فإن هذا التعديل يلغي حصول الاختلاطات المسجلة بعملية ( دوهاميل الأساسية أو التعديل مارتن عليها).

– مع المحافظة على محاسن وفوائد عملية دوهاميل.

التكنيك الجراحي :

تتلخص التقانة الجراحية المتسخدمة في هذه الطريقة بالمراحل التالية :

– المرحلة الأولى :

بعد استئصال الجزء غير المعصب من الكولون حتى /2/ سم فوق الطبقة البريتوانية يجري تسليخ للمخاطية عن جدار المستقيم غير المعصب ويكون التسليخ في الحيز تحت المخاطية، وبعد دخول المستوى الصحيح للتسليخ، نتابع نزع المخاطية للأسفل حتى /2/ سم فوق الخط المسنن ( يتعلق الارتفاع بعمر الطفل) وبعد الوصول للمسافة المطلوبة ، تجري خياطة للمخاطية أخفض ما يمكن، ثم يستأصل الأنبوب المخاطي فوق القطبة .

أثناء هذه المرحلة يجب الانتباه إلى الإرقاء وتخثير كامل الأوعية الثاقبة التي تصل العضلية الدائرية بالمخاطية المستقيمية ، وقاية من تجمع أورام دموية داخل لمعة المستقيم .

– المرحلة الثانية :

يجري إغلاق جوف المستقيم المنزوع المخاطية باستخدام قطب صادرة تجري من داخل المستقيم، تشمل الطبقة العضلية الداخلية فقط، تبدأ من الأسفل للأعلى مع مستويات مختلفة، تنتهي بخياطة الحواف العلوية للمستقيم .

– المرحلة الثالثة :

يجري الآن إنزال الكولون المعصب خلف المستقيم Retrorectal Transanal pull- through ثم يجرى الشق نصف الهلالي على الجدار الخلفي للمستقيم على بعد /1/ سم فوق الخط المسنن ويسحب الكولون المعصب عبر هذا الشق، ثم ننشئ مفاغرة على طبقة واحدة ما بين الحافة الخلفية للكولون المنزل والحافة السفلية للشق المستقيمي، ثم نتابع المفاغرة للأمام ما بين الحافة العلوية لكل من الشق المستقيمي والكولون المنزل ( تجري كامل المفاغرة بخيطان 4/0-3/0 ممتصة ).

بعد نهاية الإجراء نكون قد حافظنا على /2/ سم من المخاطية سليماً فوق الخط المسنن من الإمام ( للجدار الأمامي للمستقيم ) و /1/ سم من المخاطية فوق الخط المسنن سليماً في الخلف . هذه المحافظة على المخاطية المستقيمية تشمل الحفاظ على البشرة الانتقالية الحساسة التي تغطي أعمدة مورغاني في المستقيم، والتي تؤمن الحس الضروري لوظيفية مستقيمية جيدة .

ملاحظة :
يمكن أن نبدأ بإجراء المرحلة الثالثة أولاً، ثم بعدها نجري المراحل الأولى والثانية بالترتيب.

مواد الدراسة ( العينات المدروسة):

46 طفلاً لديهم داء هيرشبرنغ مثبت بالخزعة أجريت لهم العملية المعدلة هذه ما بين مارس 1996 – وأبريل 2001 ، نسبة الذكور في العينة كانت 32 ذكراً مقابل 14 أنثى، الأعمار ما بين /5/ أشهرو /11/ سنة .

امتداد طول القسم المصاب كان : في السين والمستقيم في 35 حالة .
وامتداد للكولون النازل في 11 حالة .
التطور السريري بعد الجراحة: حصل إمرار البراز عبر المفاغرة خلال 36-24 ساعة من العمل الجراحي ما عدا طفل منغولي مرر البراز بعد /3/ أيام من العمل الجراحي .

معدل فترة المكوث في المشفى بعد الجراحة كان /5/ أيام ( بين 7-3 أيام).

المتابعة :Follow-up
أثناء المتابعة الطلبية للمرضى والتي استمرت ما بين 3 أشهر إلى 5 سنوات وبشكل منتظم درست عادات التغوط لهؤلاء الأطفال وشملت الدراسة المعالم السريرية والشعاعية .

تم الحصول على تفاصيل حول عادات التغوط بعد الجراحة عند /27/ طفلاً كانت أعمارهم فوق الـ 4 سنوات، ودربوا جيداً على استخدام المرحاض بعد العمل الجراحي، 21 منهم كانت وظيفة التغوط لديهم طبيعية، 5 أطفال كان عدد مرات التغوط لديهم 5-4 مرات يومياً ،وحالتهم في تحسن مع مرور الزمن، طفل واحد مصاب بالمنغولية عاوده الإمساك بشكل متقطع وأصيب بالتهاب كولون وأمعاء بعد الجراحة بشهرين مما اضطر إلى إعادة قبوله في المشفى للعلاج مدة ستة أيام .

أجريت الرحضة الظليلية لـ 31 مريضاً في السنة الأولى بعد العمل الجراحي حيث أظهرت أن الكولون المنزل كان بسعة طبيعية مع وظيفة إفراغ جيدة.

أجري Echo الحوض لـ 29 طفلاً بعد السنة الأولى للجراحة أظهر المستقيم المزال المخاطية والمخوص اللمعة على شكل شريط من الأنسجة تتوضع ما بين المثانة الممتلئة والكولون المنزل .

تم إعادة الصورة الظليلة والـ Echo لـ 14 طفلاً بعد 4 سنوات من العمل الجراحي ولم يشاهد تغيرات هامة وخاصة على الـ Echo الذي لم يظهر شيء غير طبيعي في موقع وحجم بقايا الردب المستقيمي منزوع المخاطية والمخموص اللمعة بالتصاق جدرانه .

قياس ضغوط الشرج أجري لـ 7 مرضى بعد /4/ سنوات من الجراحة أظهرت نموذجاً طبيعياً من ناحية عادات التغوط .

معظم الأطفال الذين راجعوا كانو بنمو طبيعي وتطور روحي حركي سوي نسبة لأقرانهم .

المناقشة :
نظراً لأهمية الأعصاب الحوضية التي تتوضع محيطة بالمستقيم صممت عملية دوهاميل لتجنب التسليخ الشديد وبخاصة أمام المستقيم .

ففي عملية دوهاميل الأساسية وبعد سحب الكولون المنزل من خلف المستقيم وإجراء المفاغرة ،يغلق الجوف المستقيمي المتبقي من الأعلى ويتحول إلى رتج مستقيمي غير معصب يصبح محلاً لاحتباس المواد الغائطية ويحدث مع الزمن كتل غائطية Fecalomas وقد شوهدت في نسبة عالية من المرضى مع إمكانية ضغط هذه ( الكتل البرازية)  المحشورة على الكولون المنزل خلفها والجهاز المفرغ البولي السفلي أمامها .

ولقد دفع هذا الاختلاط مارتن عام /1962/ إلى إضافة تعديلة على عملية دوهاميل بإجراء مفاغرة قريبة ما بين الكولون المعصب المنزل والمستقيم غير المعصب ثم إزالة الجدار المشترك بينهما باستخدام الستابلر . نجم عن هذا الإجراء جوف مستقيم جديد كبير الحجم، ومعصب فقط في نصفه الخلفي، بهذه الطريقة ألغى مارتن الرتج المستقيمي غير المعصب كوضع تشريحي مستقل وكون محله جوف مستقيمي كولوني معصب جزئياً .

وفي الحقيقة ،إن تعديل مارتن بخلق هذا التشكل التشريحي المعصب جزئياً لم يحقق حركية جيدة للمستقيم الجديد كما في حالة إنزال كولون معصب كاملاً ، مما أدى إلى عودة انحشار المواد البرازية خاصة في غياب اللجوء إلى أمور مساعدة لتحقيق إفراغ كامل للجوف من المواد البرازية، مؤدياً لنشوء كتل برازية Fecaloma من جديد وهي في هذه الحالة أكثر ضخامة مما يشاهد في الرتج المستقيمي المستقل.

في الحقيقة أن هذه الاختلاطات هي التي قادتنا إلى اللجوء للتعديل الجديد متجنبين بذلك حدوث الكتل البرازية Fecaloma ( الاختلاط الهام لعملية دوهاميل الأصلية ومارتن المعدلة ) مع المحافظة على الميزات الإيجابية لعملية دوهاميل .

الخلاصة :CONCLUSION

وفق التعديل الجديد لعملية دوهاميل :

– لا يوجد ردب مستقيمي متبقي كما في عملية دوهاميل الأصلية .

– لا يوجد جيب كولوني مستقيمي معصب جزئياً كما في تعديل مارتن لعملية دوهاميل .

– يزول الجوف المستقيمي منزوع المخاطية ويصبح منغلقاً بالإضافة لعدم اللجوء للتسليخ الأمامي للمستقيم وبالتالي تأمين محافظة مثالية على الأعصاب الحوضية .

خاتمة :

بالرغم من قناعتنا بعدم وجود عمل جراحي دون اختلاطات، إلا أن معظم الاختلاطات التي تلت هذه العملية الحديثة كانت طفيفة، وغير هامة، ولم تكن عائدة بشكل مباشر إلى التعديل الجديد.
هذه النتائج المقنعة لهذا التعديل شجعتناعلى الاستمرار بإجرائه للأطفال الذين لديهم داء هيرشبرنغ.

إعداد: الدكتور حميد الخالد

Exit mobile version