عمل الظهور الأول للآلة الكاتبة ريمنجتون في عام 1873 على إحداث تغيير جذري بطريقة تواصل الأفكار ما بين الأشخاص، ومنذ ذلك الحين، بدأت المناقشات المحتدمة حول حاجتنا إلى الكتابة اليدوية، واليوم، الأطفال يطبعون على لوحات المفاتيح وأزرار الهواتف، ولكنهم نادرًا ما يكتبون بخط اليد.
ولكن بالرغم من التقدم التكنولوجي الكبير الذي وصلنا إليه، مايزال هناك سبب وجيه لإتقان هذه الحرفة الآخذة بالتلاشي؛ فالكتابة باليد أسهل من استخدام لوحة المفاتيح، وأكثر إثمارًا، حيث أوضحت دراسة حديثة أن طلاب الصف الثاني كتبوا كلمات أكثر وبشكل أسرع باستخدام القلم عند مقارنة أدائهم مع كتابتهم على لوحة المفاتيح، أما طلاب الصف الرابع والخامس فقد استطاعوا كتابة جملًا كاملة بخط اليد بعدد أكبر وبشكل أسرع من الكتابة على لوحة المفاتيح، وأوضحت دراسة أخرى أن الأطفال يبتكرون المزيد من الأفكار عند الكتابة باليد، كما أن المقالات المكتوبة بخط اليد تكون أكثر تماسكًا وعمقًا، وكذلك أكثر صحة من الناحية النحوية.
ولكن هل تؤثر علينا هذه الظاهرة بعد أن نتعلم القراءة فقط، أم أنها تؤثر علينا منذ بداية تعلمنا؟ توضح تجربة أخرى تمت على أطفال تتراوح أعمارهم بين سنة وخمس سنوات ممن لا يستطيعون القراءة، أو الكتابة، أو دق الأحرف على لوحة المفاتيح، أو تتبع الحروف والأشكال، أنه خلال الفحص الدماغي أضاءت أجزاء من دماغهم تُعرف باسم “دائرة القراءة”، فقط عند الكتابة بخط اليد، على عكس الضغط على لوحة المفاتيح، التي لم تؤدِ إلى توهج دائرة القراءة لديهم.
من المؤكد أن البالغين المتعلمين يستطيعون التعرف على الحروف بغض النظر عن التغييرات في نوع الخط أو حجمه، ولكن يوضح الباحثون أن الأطفال يتعلمون هذه المهارة فقط من خلال الكتابة، والسبب الذي يكمن خلف هذه الحقيقة يتمثل بكون الكتابة باليد تتطلب عدة حركات للأصابع، مقارنة مع الضغط على لوحة المفاتيح، ووفقًا للمؤلفة المشاركة فرجينيا بيرنينجر، أستاذة علم النفس التربوي في جامعة واشنطن، حركات الأصابع المقترنة بالكتابة بخط اليد تنشط أجزاء من الدماغ تساعدنا على التفكير.
ولكن تبقى حالة تعليم الأطفال للكتابة بحروف متصلة باللغة الإنكليزية، أقل وضوحًا في التجارب السابقة، لأنه في تلك المرحلة يكون الطفل قد تعلم أساسًا كيفية التعرف على الحروف، ووفقًا لتقرير صادر عن نظام المدارس العامة في ميامي، فإن معظم المدارس تقوم حاليًا بتعليم الكتابة بخط اليد بحروف متصلة لمدة 10 إلى 15 دقيقة يوميًا في الفصل الثاني من الصف الثاني أو الثالث، علمًا أنه حتى سبعينيات القرن الماضي، كان فن الخط يدرّس عادة بشكل يومي، وبصورة حصة منفصلة، من الصف الأول حتى الصف السادس، والجدير بالذكر أنه عندما تم إدخال المقالات المكتوبة بخط اليد على نظام سات للقبول الجامعي في عام 2006، أوضحت الإحصائيات أن 15% فقط من نحو 1.5 مليون طالب وطالبة من الذين خضعوا للاختبار، كتبوا إجاباتهم بحروف انكليزية متصلة، أما الباقين فقد اختاروا الكتابة بأحرف منفصلة.
الكثير من البالغين الذين تعلموا الكتابة باليد، يكرهون ممارسة ذلك، وتخلوا منذ فترة طويلة عن محاولة الكتابة بخط اليد بحروف متصلة وبشكل مقروء، ولكن إخفاقاتهم يجب ألا تمنعهم من التعبير عن أفكارهم، فمثلًا فيكتور هوغو، جيمس جويس، واللورد بايرون، جميعهم كانوا يكتبون بخط سيء، ولكنهم مع ذلك استمروا وأبدعوا، وفي الواقع، ووفقًا لخبير الكتابة اليدوية ستيف غراهام، إن إتقان الكتابة بحروف متصلة مرة أخرى قد يجعل من الكتابة أمرًا أسهل من ذي قبل، حيث تشير الإحصائيات أن الكتّاب الذين يستخدمون مزيجًا من الكاتبة بالحروف المتصلة والمنفصلة هم الأسرع كتابة، كما أن بعض العلماء يشيرون إلى أن تعلم الكتابة باليد بأحرف متصلة يفيد الأشخاص الذين يعانون من عسر القراءة، بل هو أيضًا شكل من أشكال التعبير عن الذات، لأن الكتابة بخط اليد يطور خصوصية ذاتية خاصة بكل شخص على حدى، رغم عدم وجود أدلة قوية تثبت أننا يمكننا تقييم شخصية الكاتب بشكل موثوق عن طريق فحص عينات خط اليد.
أخيرًا، فإن الجيل القادم سيفقد عنصرًا مهمًا من عناصر التعلم إذا لم يتعلم طريقة الكتابة بخط اليد، وفي استطلاع للرأي قمت بطرحه سابقًا، سألت الأهالي، هل يمكنكم أن تتعرفوا على شكل خط يد طفلكم اليوم؟ وأوضحت النتيجة أن الآباء لا يمكنهم التعرف على خط أطفالهم بشكل قاطع؛ لذا، وفي الوقت الذي يقترب فيه فن الكتابة اليدوية من الاندثار، ربما يجب علينا بذل جهود إضافية لإعادة تعليم أبناؤنا طريقة الكتابة بخط اليد، ويمكن لهذا الجهد الإضافي أن يساعد الأطفال والبالغين على التعلم، والاستذكار، والتعبير.