قال الحكيم «تراجستراسر»: «لا تكـــون هناك حضارة، مـــا لم تكن هناك عدالة». ففي العصور الأولى، كانت فكرة الانتقام الشخصي من المجرم هي الفكــرة السائــدة، فكان للمجني عليـه أو أهله، أو قبيلته الحق في الانتقام، والأخذ بالثأر، وكانت العقوبات عند الأمم القديمة في منتهى القسوة والصرامة، فقاتل أبيه أو أمه مثلاً في القانون الروماني القديم، كان يوضع في «جوال» ومعه ثعبان وقرد وديك ويُغرق في مياه نهر «التيبر»، وإن كنت لا أدري الحكمة من وجود القرد والديك مع الثعبان؟!موقع طرطوس
ولا شك في أن انعدام العدالة، تضعف الشجاع وتُقوِّي الجبان. والإنسان العادل يسمع بوعي، ويفكر بروية، ويجيب بحكمة، ويحكم بغير انحياز، فالعدل هو الالتزام بالحق المطلق بين الناس جميعاً، لا فرق بين غني وفقير، أو إمبراطور وراعٍ.موقع طرطوس
يُحكى عن الإمبراطور كارلوس الخامس (1558م) «أن خيل عربته داست نعجة اعترضتها، فطلب الراعي تعويضاً عن ذلك الضرر، فلم يُلتفت له، فشكى ظلامته إلى القاضي، فاعترف هذا بحق الرجل، وكتب للإمبراطور طالباً التعويض، تناول رسالته مستشارو الإمبراطور، ولم يطلعوه عليه. فبعث إليه القاضي بعريضــة أخـــرى للمطالبة بحق الراعي المهضوم، وقال فيها: إن جلالتك قد أقمتني قاضياً لأحكم بالعدل باسمك، وأعطي كل ذي حق حقه».موقع طرطوس
عندئذ قدم الإمبراطور للراعي التعويض اللائق، ودعا القاضي إلى قصره ليعبر له عن إجلاله وشكره لعدله.
إن أساس الــداء وأصــل الجريمة ينبعـــث من مصدر واحد، هو الخطية في نفس الفرد… التي تتشكــل في أوضــاعٍ مختلفــة، من أنانية واستئثار بالمنافع، واهتمام بالذات والمصالح الشخصية، وهذه هي التي تُولِّد في النفوس شذوذاً واعوجاجاً وكراهية وإجراماً.موقع طرطوس
فليتنا لا ننس أن هناك المشرع العظيم الذي لا نستطيع أن نعصى شرائعه، لأنه يُمهِل ولا يُهمِل.