“لقد اتخذت قراراً أريدكم جميعاً أن تساعدونى عليه: لقد قررت أن أتنحى تماماً ونهائياً عن أي منصب رسمى وأى دور سياسى، وأن أعود إلى صفوف الجماهير، أؤدى واجبى معها كأى مواطن آخر”
(جمال عبد الناصر فى 9 يونيو 1967 )
ذلك بعد نكسة عام 1967 امام اسرائيل لكن التظاهرات الشعبية اعادته الى الحكم
جمال عبد الناصر خطابا إلى شعب مصر والى شعوب العالم العربي كله. كانت القوات المصرية المسلحة قد ضربت بشكل خطير ،واحتلت سيناء ،وشلت قناة السويس ،ومحي سلاح الطيران عمليا ،وتفجرت أعمال الخيانة والإجرام والتآمر وانتشرت في كل مكان ..وتعرضت الإنجازات الصعبة لخمسة عشر عاما إلى الخطر الحقيقي. لقد خسرت النخبة العسكرية الحاكمة ،بضربة واحدة ، أي ادعاء للاعتراف بها كقيادة سياسية ممكنة لمصر. وأصبحت الآمال المبالغ بها والإنجازات الحقيقية مجالا للتساؤل .
كان شعب مصر يفتح عينيه على كابوس هو الأسوأ في تاريخه المأسوي. وهنا وقف رجل واحد على القمة ..رجل كان لديه سلطة لا يمكن تحديها ..كان هذا الرجل يحصد المجد والإساءة باسم مصر من 1952 إلى 1967.وعندما انهارت مصر ، سلم صراحة بالحقيقة واعترف بالمسؤولية الكاملة واستقال من الرئاسة ومن كل المناصب السياسية .وعلى الضفة الشرقية من قناة السويس ،كان اقوى جيش غزو قد وضع قدميه على تراب مصر ويستعد لإجراء الحساب النهائي .كان كل شيء معدا .لم يجر إهمال أي شيء . على مصر أن تدفع ثمن سيناء والسويس !!! وعلى الرجل الذي في القيادة أن يرحل ، وأن تتمزق أسطورته ،ويتحطم خطه الوطني المعادي للاستعمار .وعند ذلك يمكن إعادة الشرق الأوسط إلى العقل .وتصبح مصر تحت ” حكم ليبرالي معقول ” ..الجملة التي كتبها نجيب محفوظ وهو ينهي روايته الأخيرة ” ميرامار ” عام 1967 ..وهي رواية رائعة……
ثم بدأت الأشياء تتحرك …لكنها كانت حركة لا تتبع الطريق المرسوم !!!!!
بعد بضع دقائق من التردد …قفزت البلاد كلها إلى العمل : امتلأت شوارع القاهرة بأكثر من مليونين ونصف مواطن ..كان كل سكان طنطا ، التي هي محور الدلتا ،يسيرون نحو العاصمة، ونفس الشيء في بورسعيد ،حيث دعى الشعب ، بحركة يائسة . عدم مغادرة المدينة. من كل مدينة ..من كل قرية ..من الإسكندرية إلى أسوان ..من الصحراء الغربية إلى السويس ..سارت أمة بكاملها ..ولم تكن هناك إمكانية لإساءة فهم الشعارات : ” لا استعمار ولا دولار ” ..و ” لا قائد إلا جمال ” .
كان أهل القاهرة والإسكندرية قد أعادوا غريزيا لحن معركة ثورة 1919 : بلادي ..بلادي ..لك حبي وفؤادي ”
) دكتور أنور عبد الملك ، المجتمع المصري والجيش ، الهيئة المصرية للكتاب )