في 28 يونيو/حزيران عام 1914 أطلق شاب رصاصتين، تلاهما “تسونامي” دموي اجتاح معظم أوروبا طوال 4 سنوات، وانتهى بتحولات “جيوسياسية” أحدثها في القوى والتحالفات والموازين.
هذا الشاب هو قومي صربي، يُدعى “غافريلو برينسيب”. وقد أطلق من مسدس “براوننغ 9 ملم 1910FN ” بلجيكي نصف أوتوماتيكي رصاصتين على وريث عرش الإمبراطورية النمساوية الهنغارية الأرشيدوق “فرانز فرديناند”، الذي انطلق في مركبة مكشوفة فى شوارع المدينة الصربية (سراييفو) وبجواره زوجته، وكان فى طريقه للقيام بعملية تفتيش في صفوف قوات الإمبراطورية فى إقليم البوسنة، وتصادف أن يكون هذا اليوم موافقاً للذكرى السنوية لهزيمة الصرب أمام الأتراك عام 1389.
هذا بالإضافة إلى أن إمبراطورية النمسا والمجر كانت قد ضمّت بالقوة إقليمى البوسنة والهرسك إلى ممتلكات الإمبراطورية عام 1908 وأعلنت نيّتها ضم الصرب أيضاً، مما أثار سخط القوميين الصرب الذين كانوا ينادون بدولة صربية مستقلة تضم الصرب والبوسنة والهرسك، وفى أثناء ذلك برز هذا الشاب ليطلق النيران على ولي العهد مشعلا نار الحرب.
وقد أدى الحادث إلى مقتل ولي العهد وزوجته صوفي، وبعدها بأسابيع تصاعدت الأحداث، وبلغت ذروتها باندلاع حرب عالمية، أسفرت مع نهايتها في عام 1918 عن مقتل ملايين الأوروبيين وانهيار 3 امبراطوريات أوروبية.
وقد عُثر على المسدس الذي استخدم في تنفيذ الجريمة عام 2004 في دير لليسوعيين بمدينة “غراتس”، عاصمة ولاية “ستيريا”، البعيدة 200 كيلومتر عن العاصمة فيينا في أعالي الجنوب الشرقي النمساوي.
وبعد حادث الاغتيال الدموي انتقمت الإمبراطورية النمساوية – المجرية من مملكة صربيا في 28 يوليو/تموز عام 1914 بإعلان الحرب عليها في ذلك اليوم وغزوها، فردت ألمانيا بغزو بلجيكا ولوكسمبورغ، وسرعان ما تحطّم السلام الهش بين القوى الكبرى فى أوروبا، وأصبحت هناك جبهتان متضادتان، الأولى تتكون من: صربيا، وروسيا، وبريطانيا، وفرنسا، وانضمت لها بعد ذلك إيطاليا، والثانية تتكون من: إمبراطورية النمسا والمجر، وألمانيا، وانضمت لهما بعد ذلك الإمبراطورية العثمانية.
استمرت الحرب من 1914 إلى 1918، وانتهت باستسلام ألمانيا وانهيار إمبراطورية النمسا والمجر. وفى قصر (فرساى) فى (باريس)، تم توقيع معاهدة الاستسلام التى أدّت إلى محو إمبراطورية النمسا والمجر من خريطة أوروبا، وتحوّل ألمانيا من إمبراطورية إلى جمهورية، وأصبحت الإمبراطورية العثمانية مجرد تاريخ بعد أن تم تقسيم ممتلكاتها بين الدول المنتصرة.
وما عتم أن تغيّر العالم سريعاً. فالحرب التي أنهت الإمبراطورية العثمانية تسببت أيضا بانهيار اقتصادي، جعل الألمان يأتون بأدولف هتلر وحزبه القومي إلى الحكم، فأوقدها “الفوهرر” حرباً عالمية ثانية، ولدت فيها وبسببها القنبلة الذرية.
وكالات