إنشاء المجازة القلبية – الرئوية، والتي يطلق عليها أيضاً اسم ماكنة قلب – رئة، يعتبر واحداً من أكبر النقلات النوعية في الطب الحديث. إن تجارب بناء دورة قلب – رئة إصطناعية بدأت منذ عدة عقود. استطاع المختص بالطيران، تشارلز ليندبيرغ (Charles Lindbergh)، بالإشتراك مع الجراح، الكسيس كاريل (Alexis Carrel)، خلال سنوات الـ 30 من القرن الماضي بناء آلة بدائية والتي أمكنت، في ظل ظروف مخبرية، تبادل الأوكسجين وهكذا تم استبدال الرئة البشرية.
كان دكتور جون جيبون (John Gibbon) أول من استطاع (سنة 1953) إجراء عملية القلب المفتوح بمساعدة ماكنة القلب – رئة. في هذه العملية تم إغلاق عيب في الحاجز الذي يفصل بين الأذينين (Atrial septum) لدى شابة في جيل 18، وهكذا ولأول مرة أصبح بالإمكان إجراء عمليات داخل القلب ذاته لإصلاح عيوب خلقية في القلب. النموذج الأول لهذه الآلة كان غير متقن، ثقيل وطريقة تشغيله معقدة. الآليات المختلفة للماكنة تسببت بأضرار جسيمة لمركبات الدم ما أدى إلى حدوث نزيف، والحاجة لتلقي مركبات دم من مصادر خارجية. على مر السنين حصل تحسن ملحوظ على الماكنة، أصبحت مريحة للإستعمال، آمنة جداً بالإضافة إلى انخفاض كبير بنسبة الأضرار لمركبات الدم. لقد أصبحت الماكنة اليوم جهازاً متبعّاً، يتيح إجراء عمليات القلب المفتوح للأطفال والبالغين.
المبدأ الذي تعمل عليه ماكنة القلب – رئة هو بسيط نسبياً. يتم اخراج دم وريدي فقير بالاوكسجين من الأذين الأيمن إلى حاوية للتجميع. من هناك يصب، بمساعدة مضخة، إلى جهاز مؤكسد يعمل على إدخال الأوكسجين فيه بصورة مشابهة للرئة الحقيقية.
في الجهاز المؤكسد يتم تبديل غاز ثاني أكسيد الكربون مقابل الأوكسجين، ويتم إرجاع الدم المؤكسد مباشرةً إلى الشريان الأبهر ومن هناك إلى بقية أعضاء الجسم. الجهاز المؤكسد الأكثر شيوعاً مركب من غشاء مصنوع من مادة البولي بروبيلين (Polypropylene) التي تحتوي على مسامات دقيقة (Microporous) وهو يفصل بين الدم والغاز الغني بالأوكسجين الذي يتم إدخاله إلى المؤكسد. هذا الغشاء يسمح بانتشار (Diffusion) الأكسجين في الدم، وانتشار ثاني أكسيد الكربون إلى خارج الدم.
آلة القلب – رئة الحديثة متطورة وذات وظائف متعددة. أولاً، جمع الدم المنسكب أثناء العملية الجراحية إلى الماكنة وإرجاعه مؤكسداً إلى الجسم. وبالتالي يتم الحفاظ على دم المريض ولا تكون هناك حاجة إلى نقل دم من مصدر خارجي. ثانياً، باستخدام مُعَدِل الحرارة المرافق للجهاز المؤكسد يمكن خفض أو رفع درجة حرارة جسم المريض بصورة مضبطة. وهكذا يمكن تقليل نسبة استهلاك الأوكسجين في القلب وأعضاء حيوية أخرى أثناء العملية، وبالتالي منع إصابتها بالضرر في العمليات الطويلة. كذلك يحتوي الجهاز على وصلات مختلفة تمكن من إدخال أدوية مباشرة وبصورة فورية إلى مجرى دم المريض.
قبل البدء بتشغيل الجهاز يجب أولاً إيقاف عملية تخثر الدم. يتم ذلك بمساعدة دواء يعمل على تثبيط تخثر الدم ويدعى الهيبارين (Heparin). دون إبطال تخثر الدم، سيتخثر الدم حالاً عند تماسه مع الأنابيب البلاستيكية المختلفة. بعد إعطاء الهيبارين للمريض يمكن توصيله إلى الماكنة. يتم إدخال أنبوب إلى الأذين الأيمن للقلب، والذي عن طريقه يخرج الدم الوريدي إلى الماكنة وأنبوب أخر يتم إدخاله إلى الشريان الأبهر، والذي عن طريقه يتم إرجاع الدم المؤكسد إلى جسم المريض.
بعد إتمام التوصيلات يمكن تشغيل الماكنة والتي ستعمل بصورة تدريجية عوضاً عن القلب والرئتين.
خلال العملية يتم تشغيل الماكنة على يد فني ماكنة قلب – رئة وهو مسؤول عن الحفاظ على استمرارية عملها. وهذا يسمح للجراح أن يكون أكثر حرية وأن يتركز في إصلاح القلب نفسه.
بعد الانتهاء من عملية القلب المفتوح يتم استرجاع عمل القلب، وفي حال مكن تقلص القلب من ذلك، يتم فطم المريض بصورة تدريجية من الحاجة إلى الجهاز، ويعود القلب والرئتان من جديد إلى عملهما الطبيعي. يتم إخراج الأنابيب من الجسم ويعالج المريض بدواء يدعى بروتامين (Protamine) والذي يعمل كمادة مضادة للهيبارين وإصلاح عمل التخثر في المريض.