موقع طرطوس

ما هي أكبر مشكلة تواجه السيارات ذاتية القيادة؟

ما هي أكبر مشكلة تواجه السيارات ذاتية القيادة؟

ما هي أكبر مشكلة تواجه السيارات ذاتية القيادة؟

يتسم تعلم قيادة السيارات ذاتية القيادة بصعوبة تفوق ما يبدو عليه الأمر للوهلة الأولى. وفي هذا الصدد، يجري أحد المختبرات تجاربا لرصد ردود فعلنا المحتملة عندما نضطر أن نسلم عجلة قيادة السيارة إلى جهاز آلي بداخلها.

خضت إحدى هذه التجارب، وبرغم ثقتي الكاملة في مهاراتي في قيادة السيارات، فإن تلك المتعلقة بكوني قائدا لإحدى سيارات المستقبل ستوضع على المحك.

لا تزال هناك شكوك جدية حول كيفية تأقلمنا نحن البشر مع مسألة تحولنا إلى ركاب في سيارات يقودها إنسان آلي، رغم أنه يُفترض بشكل عام أن يؤدي بدء استخدام السيارات ذاتية القيادة إلى جعل الطرق أكثر أمنا.

ولخوض هذه التجربة توجهت إلى مدينة “آن أربُر” على مشارف مدينة ديترويت الأمريكية، ودلفت إلى مكتب لا يحمل أي علامات مميزة، يقع في طابق علوي بمبنى معهد أبحاث النقل التابع لجامعة مشيغن.

وهناك؛ قال لي الدكتور أنودج كى برادِن الذي قادني إلى داخل المكان “إذا ما مررت بجوار الباب، لن تتصور أن هناك سيارة بكل معنى الكلمة هنا بالداخل”.

كان الرجل على حق، فالغرفة كانت متسعة بالداخل أكثر من المتوقع. وفي وسطها، كانت هناك سيارة عائلية من تلك السيارات ذات الأبواب الخمسة التي تخلو من صندوق الأمتعة الخلفي، والمعروفة باسم (هاتش باك).

السيارة كانت عادية، أما الشيء الاستثنائي فكان ذلك الطابع الذي اتسمت به الغرفة، عبر وجود شاشات ضخمة تغطي جدرانها كافة، وهي شاشات جاهزة لوضعي في بيئات قيادة متنوعة في الوقت المناسب لذلك.

وهكذا، كانت التجربة ستتم من خلال استخدام جهاز محاكاة يُستعان فيه بصور ثلاثية الأبعاد من صنع الكمبيوتر، ولكن الجهاز هنا لا يجعل مستخدمه يحاكي تجربة قيادة السيارة، وإنما بالأحرى عدم قيادتها.

قال لي برادِن “نريد أن يكون بوسعنا محاكاة (تجربة ركوب) السيارات ذاتية القيادة لتفهم السلوك الذي سيصدر عن السائقين” من البشر وليس الآليين.

وأمسك برادِن عن الحديث فجأة قبل أن يمضي قائلا :”الاستثناء هنا أن (هؤلاء الناس) لن يكونوا هم من سيقود الآن، سيصبحون مُجردين من القدرة على القيادة، أو (للدقة) بشرا يتولون مهمة تشغيل” السيارة.

ويمكن القول إن عالم السيارات ذاتية القيادة المتغير بوتيرة متسارعة، وما ينجم عن هذا التغير من مصطلحات يمكن أن يشكل تحديا حتى للباحثين العاملين في هذا المضمار.

وعلى أي حال، فحتى نصل إلى مرحلة يُمكن أن تصبح فيها السيارات ذاتية القيادة طوال الوقت؛ سيتعين على البشر العودة للإمساك بزمام الأمور في المواقف شديدة الخطورة على نحو استثنائي، أي عندما يواجه نظام القيادة الآلي عقبات لا يستطيع التعامل معها. وستتسم هذه التحولات من القيادة الآلية إلى البشرية بطابع حيوي وحساس.

وعندما خضعت للتجربة وجلست خلف عجلة القيادة، بدأت في التعرف – ولو قليلا – على الاحتمالات التي يدرسها الباحثون، وضعت قدميّ على المكابح، وحركت ناقل الحركة الآلي إلى وضع القيادة.

وبينما بدأنا في “التحرك”، كان بوسعي الشعور باهتزازات ما، وسماع صوت ضوضاء صادرة من المحرك، وهي ضجة أحدثتها مكبرات قوية للصوت. وبدت القيادة هنا أشبه باجتياز الخط الفاصل ما بين عالم الواقع وعالم الألعاب، وكذلك – وفي هذه المرحلة المبكرة من التجربة – أقرب إلى اللهو والمرح.

رغم ذلك؛ كنت على علم بأن هناك أربع كاميرات مثبتة على الزجاج الأمامي للسيارة لتتبع نظراتي، مما يُمَكّن الباحثين من تحديد ما أنظر إليه خلال التجربة. كنت أشعر أنني تحت مراقبة مكثفة، ولكنني وضعت السيارة افتراضيا في منتصف الحارة التي تمضي فيها نظريا، ثم ضغطت زر التشغيل المثبت في عجلة القيادة.

مخاطر تشتت الانتباه

شعرت بالاسترخاء قليلا، عندما تردد صوت أنثوي آلي يعلن الانتقال إلى “تشغيل الوضع الآلي”. وفجأة وفي تلك اللحظة، باتت ردود فعلي هي بالتحديد ما يحظى بالفحص والدراسة.

في بادئ الأمر، كان من العسير عليّ إبعاد عينيّ عن الطريق. فقد علمتني عقودٌ من قيادة السيارات أن من الخطأ الإقدام على ذلك.

ومن جانبه يقول برادِن: “لم يعتد البشر قيادة سيارات آلية، لذا لا نعلم حقا شكل رد الفعل المتوقع من قائدي السيارات، عندما تستحوذ السيارة على مهمة القيادة (بدلا) منهم”.

بدأت في كتابة رسائل نصية أتساءل فيها عما إذا كان يجدر بي الاسترخاء قليلا وربما نيل غفوة؟ أو أن أُبقي يديّ تحومان فوق عجلة القيادة، وأنا مفعم بالتوتر، وبانتظار لحظة استعادة زمام القيادة؟

وفي كل الأحوال، تتمثل البشارة الكبرى التي تحملها السيارات الآلية في جعبتها في أنه سيكون بمقدورنا تركيز انتباهنا على أمور أخرى بخلاف القيادة وقتما نريد ذلك.

أما الخطر فيكمن في تلك اللحظة التي “تستدعي” أن يستعيد المرء زمام القيادة منها، بينما يكون هو لا يولي انتباهه للطريق من الأساس. فقائد السيارة الآلية، المشغول – مثلا – بالنظر إلى هاتفه المحمول، قد لا يكون مدركا لموقع السيارة، أو يدرك ما الذي يحيط به، أو ما الذي يحدث حوله.

وهنا سيتعين عليه تقييم كل هذه العوامل في غضون ثوانٍ، واتخاذ تصرف ملائم بشأنها. والمفارقة أن ذلك سيحدث على الأرجح في المواقف الاستثنائية للغاية؛ بعبارة أخرى في حالات الطوارئ فحسب.

ويقول برادِن إن قدرة المرء على قيادة السيارة ترتبط بشكل كبير بوعيه بالموقف والظروف المحيطة به. ويمكن لكل منّا أن يسعى لتطبيق هذا المفهوم على نفسه.

ففي المرة المقبلة التي تجلس فيها خلف عجلة القيادة، أبق لدقيقة مُولياً اهتمامك وانتباهك لكل ما تعيه مما يدور حولك. فعلى سبيل المثال، قد يكون قائد السيارة التي مررت بجوارها للتو لا يزال مراهقا، ولذا فقد كان يجدر بك أن تُبقي عينيك عليه.

أو ربما يبدو لك أن السيارة التي تسبقك بثلاث سيارات توشك على التوقف، وهو ما يجعل من الأفضل لك أن تكون على استعداد للضغط على مكابح سيارتك. أو قد تكون على وشك المرور بمركز للشرطة، وهو ما يجعلك أكثر وعيا وانتباها للسرعة التي تقود بها سيارتك.

وتشكل كل مواقف الوعي بالظروف المحيطة هذه صورة تتكون لديك تلقائيا بمرور الوقت، وليس مجرد لقطة خاطفة. ويمكن أن يفتقد المرء مثل هذه الصورة عندما يُفاجئ، وهو يجلس في سيارة ذاتية القيادة، بصوت آلي يصيح قائلا “تم فصل نظام (القيادة) الآلي”، ليُباغت- حينما يرفع رأسه ليرى الطريق- برؤية شاحنة تندفع سيارته صوبها بسرعة كبيرة.

ربما يكون بمقدورك التصرف بسرعة في هذه الحالة، ولكن قد لا تتمكن من ذلك. وهو ما يجعلك في موقف أضعف من أقرانك الذي يقودون سيارات عادية.

ويمكن القول إنه من السهولة أن ينتاب قائد السيارة ذاتية القيادة شعورٌ بالاسترخاء النسبي، وذلك بناء على تجربة فريق (بي بي سي فيوتشر)، سواء في جهاز المحاكاة الموجود في مكان قريب من ديترويت، أو من خلال ركوب سيارات تجريبية أخرى ذاتية القيادة مثل السيارات التي تنتجها شركة غوغل.

وحينما نفكر في السمات المطلوبة للسائقين الجدد لمثل هذه السيارات الآلية؛ يُطرح ذلك كسؤال مثير للاهتمام على نحو خاص. فرغم أن الأشخاص الذين سيحصلون على رخصة قيادة خلال الأعوام القليلة المقبلة لن يتولوا القيادة على الأرجح سوى في حالات نادرة، فإن مثل هذه الحالات ستكون هي الأكثر خطورة وجموحا.

وفي هذا الصدد يتساءل برادِن: “هل يتعين أن نصدر قانونا يقضي بإلزام كل السائقين بأن تكون لديهم خبرة تمتد ما بين خمس إلى سبع سنوات من القيادة، قبل السماح لهم بتشغيل سيارات ذاتية القيادة؟”

ومضى برادِن قائلا إن السيارات ذاتية القيادة باتت حقيقة واقعة “وهذا أمر رائع. فقد حققت التكنولوجيا إنجازات عظيمة، لكن أعتقد الآن أن الاهتمام يجب أن ينصب في الواقع على السلوك البشري؛ على ذاك الجالس خلف عجلة القيادة!”.

الخلاصة أن الأمور ربما باتت جاهزة من الناحية التكنولوجية لاستخدام السيارة ذاتية القيادة. لكن السؤال الكبير الآن مفاده: هل صرنا نحن جاهزين؟
BBC

Exit mobile version