حينما ينطلق رنين الجرس مدوياً وصارخاً، وتضاء أنوار التحذير الحمراء بوميض متقطع، وتهبط ذراع المزلقان الطويلة لتحتل مكانها، وتجد نفسك في مواجهة بين الانتظار أو العبور، وعدم الالتفات إلى علامات الإنذار، معتبراً نفسك فوق القانون، فيصدمك القطار القادم بأقصى سرعة ليحملك في لحظة إلى مصير محتوم!!
وقتها نقف في دهشة نتساءل: لماذا لا نبالي بالإشارات وعلامات التحذير؟! لماذا لا نواجه أنفسنا، فنعرضها لخداع قاس، ونُخضع إرادتنا لمناورات العقل والمشاعر، ونصاب بارتباك، ويتراكم الضغط العصبي والإرهاق، ويُفرِز حالة من عدم الاستقرار، وعدم الأمان، والضعف في مواجهة ضغوط الحياة، ومتاعبها، فتعيش في حذر دائم وخوف حتى الانهيار، ويصبح عدم المواجهة نمط سلوك وعادة تُكِّون كثيراً من التشوهات في شخصيتك، وتصبح حياتك كمن يسير بطريقة عشوائية بين شبكة متقاطعة من الدروب الضيقة في غابة كثيفة، وتموت في أدغال الحياة، أو تختبئ داخل نفسك، فتشبه محاربي العصور الوسطى الذين كانوا يلبسون حُلة حديدية تغلفهم تماماً، حتى إنك لا تستطيع أن تميز بسهولة إن كان هناك إنسان داخل الحُلة، أم لا؟!
أو تنسحب داخل قوقعة سميكة، كما تفعل السلحفاة، عندمـا تشعر بقرب الخطر، فتفقــد القدرة عــلى الإحساس بما يدور حولك، ولا تستطيع التفاعل مع الأحداث، فتعيش حياتك في ركود وتجمد وتوقف، تفقدك القدرة على فهم الحياة، والتطور، فتنعزل عن الواقع والمجتمع والناس والحقائق، وتغرق في عالم الخيال والأحلام.. وتفقد الإحساس بالانجاز وقيمة الذات، فتصبح كمن يلقي بنفسه تحـت عجلات قطار لا يرحم، هرباً من الواقع ومن الحياة.
إن المواجهـة تمنحك فرصة لتعرف عناصر التفوق، ونقط الضعف، وعـدم القدرة فيـك لتعرف كيـف تُطلق أحكامــك علـى الأحداث والأفكار والناس.. وتعرف أي موقف يجب أن يُتخـذ في كـل ظـروف الحيـاة، فتبدأ رحلة مثيرة ممتعـة نحـو معرفـة هويتك الحقيقية، لأنـه لا يكفي أن تعيـش، ولكـن يجـب أن تعلـم لمـاذا تعيش؟! لكي يكون لحياتك معنى!