إذا قادك انجذابك المفرط لسماع الموسيقى العالية إلى أن تستعمل سماعات الرأس ( Walk man ) التي قد تضطرك لاستبدالها بالأجهزة المقوية للسمع ( Hearing aids ) لما تسببه الأولى من ( أذية للسمع ) فثمة فرصة سانحة يوماً ما في أن تعود كما كنت .
فمن المسلم به أن الصمم الناجم عن التعرض للضجيج هو من النوع غير القابل للشفاء ومع ذلك فقد وجد الباحثون مؤخراً دلالات مشجعة توحي بأنه – وفي أقل الإحتمالات – ثمة قدرة مدخرة ومتأخرة لاستعادة نمو الأجزاء التالفة من الأذن الباطنية عند الإنسان إن الأدوية التي تنشط إعادة مثل هذا النمو تقودنا للتخمين بإمكانية استعادة وظيفة السمع . موقع طرطوس
ويتنبأ ( J . T كوروين ) ” وهو باحث في مجال السمع من جامعة مدرسة فيرجينيا للطب ، أسهم في المكتشفات الحديثة ” بقوله :
( بالنسبة لي لم يعد السؤال هو ( هل ) ولكن ( متى ) سنتوصل إلى تجديد الخلايا السمعية عند الإنسان ؟ ).
وقد وافقه ( T.R فان دو ووتر ) ” من كلية ألبرت آينشتاين للطب في برونكس بنيويورك ” قائلاً : ( إنه وقت مثير لقد عملت 25 سنة في هذا المجال وفجأة فتح هذا المجال عنوة ) .
وكان عملهم يتركز على الحلزون Cochlea هو عضو في الأذن الباطنة يشبه في شكله البرونق Periwinkle وهو ضرب من الحلزونات البحرية فعندما تصدم الموجه الصوتية طبلة الأذن المشعرة Hair cells التي تحرض العصب السمعي وتنبهه ولسوء الحظ فإن هذه الخلايا المشعرة حساسة جداً فمقدار 120 ” ديسيبل محدثة برنان صلب أو مصنوع من خشب الماهوغاني Mahler يمكن أن يسبب ارتجاجاً شديداً لبعض الخلايا المشعرة بشكل عنيف مما يؤدي لفصلها من مكان ارتكازها ، كما يمكن لبعض الصادات والأدوية المضادة للسرطان وبعض الأمراض مثل التهاب السحايا أن تميت الخلايا المشعرة ، فإن كانت الخلايا المفقودة كثيرة العدد أصيبت الأذن بالصمم النهائي . ويمكن للأجهزة المقوية للسمع أن تعوض هذا النقص في الحساسية السمعية إلى درجة محددة وذلك بتضخيم الأصوات فقد أصبحت الأجهزة التي تزرع في حلزون الأذن متوفرة في السنوات الأخيرة ففي أمريكا يزرع الجراحون نحو ثمانية آلاف جهاز وقد سمحت هذه الأدوات الإلكترونية للميكروفونات أن تنبه العصب السمعي مباشرة .
ومع ذلك فهي لا تستطيع أن تعوض السمع الطبيعي تماماً . ففي أحسن الأحوال وبعد العلاج التأهيلي تسمح هذه الأجهزة المزروعة للمريض فقط بتمييز الأصوات وتعرفها .
والحل الأفضل بالنسبة ليعض المختصين في السمع هو إصلاح أذية حلزون الأذن وحتى الآن دلت سنوات من المتابعة على أن الخلايا المشعرة لا تجدد بشكل طبيعي عند الإنسان وبقية الثدييات ولكن بدت الحيوانات الأخرى أكثر مرونة في هذا الموضوع ولأكثر من عقد مضى بدأ كوروين يجد دلائل تشير إلى أن أسماك القرش والبرمائيات تنبت لها خلايا مشعرة جديدة خلال مسيرة حياتها والطيور أيضاً يمكن أن تشفى من الصمم وقد لاحظ ( D.A كوتانش ) ” من مدرسة بوسطن للطب وهو رائد في مجال علم الطيور ” أن ( الطيور لا تنقلب خلاياها المشعرة بشكل طبيعي ولكن إذا ما حرضتها عنوة بواسطة الضجيج أو الأدوية فإنها تصاب بأذى وبالتالي تتولد خلايا جديدة ) ويقول :
( مهما يكن السبب قد كان هناك حك مسبق بأن الثدييات متطورة بما فيه الكفاية لإحداث مثل هذا التجديد ) .
وبدأت الدراسات الحديثة تغير من هذا الرأي ، ففي عدد 1993 / 3 من مجلة Science ذكر كورين و ( A فورك ) ” من كلية جامعة لندن ” وزملاؤهما بأنهم وجدوا تجديداً في الخلايا المشعرة في الأذن الباطنة عند خنازير غينيا ، فقد عالجوا هذه الحيوانات بشكل متكرر بجرعات سمعية من الصاد ( المضاد الحيوي ) المعروف بالجنتامايسين وخلال أسبوع اختفت تقريباً كل الخلايا المشعرة من منطقة واحدة ، ثم بعد شهر من العلاجات ظهرت خلايا مشعرة فتية وفي ورقة بحث مرافقة وصفوا ما حدث عندما أعادوا التجارب في المزارع مستعملين طبقات من نسج مأخوذة من الآذان الباطنة لخنازير المشعرة غينيا ومن أناس في عمر الخمسين فإن الخلايا الداعمة المجاورة تنقسم وتحل مكانها وبعد ذلك تتمايز هذه الخلايا الداعمة لتشكل خلايا مشعرة .موقع طرطوس
ومازال بإمكان المشككين أن يجادلوا بأن هذه النتائج لا تتصل بموضوع الصمم فقد عمل فريق كوروين على خلايا مشعرة من الجهاز الدهليزي Vestibular System وهي مسؤولة عن حاسة التوازن وليست من الحلزون وقد أزال فان دو ووتر وتلميذة المتخرج ( H ستيكر ) وفريق متخصص هذه العقبة بعد ستة أسابيع مباشرة فباستعمال نسيج من حلزون الأذن الباطنة العائد لجرذان في طور النمو عمرها بضعة أيام فقط وجدوا أن الخلايا المشعرة لا تشفي بشكل عفوي ولكنهم اكتشفوا أيضاً أن نمواً جديداً ” وكثيفاً ” يمكن أن يشجع في أقل من أسبوع إن هم عرضوا هذا النسيج للحمض الشبكي Retinoic acid وهو مركب له علاقة بالفيتامين A الذي يقود تميز العديد من الخلايا أثناء التطور الجنيني وتستعمل الآن مشتقات هذا الحمض في كريم التجاعيد وعلاج العد ( حب الشباب ) الشديد كما أنها أظهرت بعض القدرة الكامنة في مقاومة السرطان وذلك في الدراسات الأخيرة .موقع طرطوس
وقد حاجّ فان دو ووتر بأن عودة نمو الخلايا المشعرة معلقاً بحادثتين : تخريب الخلايا القديمة ثم تلقي منبه كيماوي يحفز نمو خلايا جديدة والثدييات الناضجة قد لا تنجز هذه الإشارة الثانية بشكل كاف . وبالرغم من أن كوتانش قد أثير بهذه النتائج الجديدة فقد أشار إلى أنه لم يسبق لأحد قط أن درس بشكل جدي ما إذا كانت هذه الخلايا المشعرة المتولدة حديثاً هي ذات وظيفة فعلاً أم لا ؟ إذ لا يجب على هذه الخلايا العودة للنمو فقط ولكن عليها الاتصال أيضاً مع العصب وعلاوة على ذلك كما يوضح كوروين ” : فإن الخلايا المشعرة الحساسة للنغمات المختلفة مختلفة قليلاً من حيث تركيبها ” .موقع طرطوس
ويضيف كوروين قائلاً : ” إن من أكثر الملاحظات ( إثارة للدهشة ) هي أن كل الخلايا البديلة هذه تطور على ما يبدو التراكيب والتوجهات المناسبة بالاستجابة لبعض المشعرات المدفونة في محيط الأنسجة وجميع استطباباتنا أيضاً هي أن تجد خلايا العصب الجسية الجديدة ” .
ويعقد كل من كوروين وفان دو ووتر أن الخلايا المشعرة الجديدة النمو يمكن أن تحرر مواد كيمياوية تمكنها من جذب الاتصالات الخلوية العصبية ويقول كوروين ” أنا لست قلقاً كثيراً على اتصالها في نهاية الأمر فهذا يحدث دائماً في أسماك القرش والطيور ” .موقع طرطوس
وقد حذر العاملون في هذا المجال من أن علاج إعادة نمو الخلايا المشعرة عند الإنسان سوف ينتظر فترة من الزمن فحتى وإن كان الحمض الشبكي يقوم بهذا العمل البارع . فإن إدخاله داخل الأذن يمكن أن يكون مشكلة .
وقد حذر فان دو ووتر حيث قال : ” نحن لا نريد أن يأخذ الناس كميات كبيرة من فيتامين A لأنها يمكن أن تكون خطيرة ونحن نحاول تطوير طرق فريدة لتوجيه الدواء مباشرة إلى أنسجة الأذن الباطنة باستعمال مضخات حلوليه مصغرة ” .موقع طرطوس
ويضيف قائلاً : ” إن مخبره ( مختبره ) يتطلع إلى إمكانية علاج الجينات ( المورثات ) Gene therapy وذلك باستعمال فيروسات يمكنها زرع الجينات المسؤولة عن مراقبة النمو ضمن خلايا الحلزون ” وتساءل كوتانش أيضاً فيما إذا كان بالإمكان زرع خلايا فتية ضمن حلزونات الأشخاص الصم ويتم استحداثها لتصبح خلايا مشعرة ، وهناك مسألة ونقطة خلاف أخرى لاحظها فان دو ووتر وهي أن العصبونات ( الخلايا العصبية ) التي تفقد اتصالها مع الخلايا المشعرة تموت عادة لذلك يحاول هو ومساعدوه في العمل أن يجدوا طريقة للحفاظ على هذه العصبونات حية حتى يمكن زرع خلايا مشعرة جديدة .موقع طرطوس
وجازف كوروين عندما قال : أنا أتوقع أن يكون لدينا بعض المركبات والأنظمة النمطية الجيدة وقد جربت لتحريض عودة النمو وذلك خلال السنتين أو الثلاث القادمة ” .
ولكن الجميع متفقون( كوروين ، فان دو ووتر ، كوتانش ) على أنه سوف يكون هناك عقد من الزمن على الأرجح قبل أن يتواجد علاج عملي جاهز لاختباره على المرضى .
ومع ذلك يقول كوروين المتفائل دائماً : :” إن هذه الاكتشافات قد قللت عشر سنوات من تقديراتنا للاحتمالات المستقبلية ” .
إن عشر سنوات من الانتظار تعتبر وقتاً طويلاً بالنسبة للناس الصم ، وقد علق فان دو ووتر قائلاً :
” كم أحب أن نجد أنفسنا ونحن نضع أولئك الناس ، الذي يقرر لهم زرع حلزون الأذن الصنعي خارج نطاق عملنا وأنا متأكد أنهم سوف يفضلون ذلك أيضاً ” .
والآن . بالرغم مما ذكرنا ، يبقى زرع حلزون الأذن هو العرض الوحيد في الساحة .