موقع طرطوس

هل أنت محب للمال …؟???? …عفواً سيدي

بصراحة شديدة أود مناقشة مشكــلاتـــك صديقـــي الشـاب، وكل ما يدور بذهنك مع محاولة تقديم حلول عملية وبسيطة لكل مشكلة.

«الجشع».. أعلم أن تلك الكلمة تبدو شديدة الضخامة والقبح. وأعلم أن أغلبنا لابد أنه سيفكر هكذا :«لا …إن هذه الخصلة بالذات بعيدة عني تماماً…»

ولكن دعوني أوضح لكم ما أقصده بتلك الكلمة أو مرادفها (محبة المال). أولاً أنا لا أقصد القتل أو السرقة من أجل الحصول على المال. ولا أقصد ممارسة أمور خارجة عن القانون من أجل الحصول على المزيد. كما أنني لا أقصد الحسد والرغبة في الحصول على كل ما ليس عندنا. فعلى الرغم من أن كل تلك الصفات والسلوكيات مكروهة، ولا يجب الاتصاف بها؛ إلا أن هذا ليس هو موضوعنا، أو بكلمات أخرى هذا ليس لب القضية. إن ما أقصده بالجشع ومحبة المال هو حالة عدم الاكتفاء المادي، وامتلاء العقل والقلب بالرغبة المستمرة في الحصول على المزيد من الممتلكات المادية. ويعرف قاموس «وبستر» الشهير كلمة «الجشع» بأنه: رغبة مفرطة ومختلة في اكتساب الأشيـــاء والحصــول عليهــا. ولذا يمكــن القــول إنــه اتجــاه غير مرتبــط بالمســتوى المــادي للإنسان، وإنما يرتبط بحالة قلبه وبرؤيته لقيمة المال ولقيمة الأشياء المادية. وهذه الرغبة المفرطة في إمتلاك المزيد – الجشع – تجعل الإنسان يسلك السلوكيات التي يعتقد أنها ستجعله يحصل على المزيد…

قصص من صفحات الحوادث

يبدو أن نظرتنا نحن الشباب نحو المال بالذات، أصبحت ممتلئة بالرغبة في الحصول على المزيد؛ فالبعض أصبحوا لا هم لهم إلا محاولة جمع المال بكل قوة، وبكل وسيلة ممكنة. ورغم أن الكثيرين من الشباب لا يلجأون لطرق غير مشروعة للحصول على المزيد، إلا أن الكثيرين أيضا – و للأسف – يحاولون الحصول على المزيد بأي ثمن. ولأؤكد أن هذا يحدث حاليا وبكثرة ربما يجب أن أذكركم ببعض العناوين والقصص التي نقرأها يومياً على صفحات الحوادث في الصحف.موقع طرطوس

فقد تقرأ قصة في إحدى الجرائد أو أحد المواقع الإلكترونية كما يلي: «تمكنــت الإدارة العامــــة لمباحث الأموال العامة في دولة «………» من ضبط تشكيل عصابي مكون من ثلاثة أفراد. وقد تخصص التنظيم في النصب والاحتيال على راغبي السفر للخارج من الشباب مقابل مبالغ مالية كبيرة مستخدمين أوراق سفر وتأشيرات مزورة. كانت التحريات قد أفادت بقيام أفراد العصابة بنشاط واسع في مجال تسفير الشباب، والقيام بالاحتيال عليهم والاستيلاء على مبالغ مالية لتسهيل سفرهم إلى إحدى الدول الأجنبية، إلا أنه تم ضبطهم بمعرفة السلطات.موقع طرطوس

قال أحدهم: إن المال عبد جيد ولكنه سيد قاس. يمكنك أن تجعل المال عبداً دائماً لك، به تساعد الآخرين وتبني حياتك، وتفعل الخير، وتحمد الله على ما بين يديك وتحسن استغلاله. ويمكنك أن تجعله سيداً لك فيمتلك ذهنك، ويتحكم في وقتك وتفكيرك وقراراتك، ويسلب منك فرصة الاستمتاع ومتعة القناعة بما عندك، فالقناعة والجشع مرتبطان بما في قلبك، وليس بما في جيبك..موقع طرطوس

من كلام الأدباء

وقد قرأت قصة للأديب الروسي تولستوي بعنوان «كم تبلغ مساحة الأرض التي يحتاجها الإنسان؟». تحكي القصة عن رجل شديد الثراء، ولكنه لا يشبع أبداً من الغنى، فقد كان دائما يريد أكثر وأكثر وأكثر…وذات يوم سمع ذلك الرجل الغني عن فرصة رائعة لاقتناء قطعة أرض جديدة. ففي مقابل 1000 روبل فقط، سمع أنه يمكنه الحصول على كل مساحة الأرض التي يمكنه الدوران حولها في مدة نهار كامل. إلا أنه يجب أن يعود إلى النقطة التي بدأ التحرك منها بحلول وقت الغروب وإلا فقد كل شيء.
وبالفعل نهض ذلك الرجل الثري من نومه مبكراً، وانطلق من نقطة البداية بنشاط. وأخذ يمشي ويمشي، ومع كل خطوة يفكر أنه يمكنه الحصول على مساحة من الأرض أوسع قليلاً إذا استمر في السير لمسافة أبعد وأبعد. إلا أنه ذهب في سيره بعيداً جداً، وفجأة أدرك أنه لابد له أن يعود  أدراجه بسرعة شديدة جداً إذا أراد أن يصل لنقطة البداية قبل الوقت المحدد؛ ليتمكن من المطالبة بقطعة الأرض التي تمكن من السير حولها.موقع طرطوس

وبينما كانت الشمس تهبط في السماء مسرعة في غروبها، بدأ الرجل يسرع في خطواته أكثر وأكثر. ثم بدأ يجري بسرعة. وأخيراً وبعد عناء رأى على مدى بصره النقطة التي بدأ منها، فبدأ ينطلق بكل قوته وطاقته، محاولا الإسراع. إلا أنه بمجرد وصوله إلى خط النهاية، سقط منهاراً على الأرض في نفس البقعة التي بدأ منها. وخرج تيار متدفق من الدم من فمه، وهو منطرح بلا حراك. فأخذ خادمه جاروفا وحفر له قبراً، وجعل مساحة القبر في الطول والعرض كافية تماماً لاحتواء جثة الرجل الجشع. والجدير بالذكر هو أن تولستوي ختم قصته بتعليق ساخر يجيب على التساؤل الذي وضعه كعنوان للقصة إذ ختم القصة بهذه الكلمات «أرض مساحتها ستة أقدام – لتحتويه من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه- كانت كل ما احتاجه هذا الرجل.»موقع طرطوس

حقاً المال عبد جيد ولكنه سيد قاس..

فالجشع والرغبة في الحصول على المزيد، من الممكن أن تدفعنا لفعل أي شيء إذا لم نكن متيقظين. وللأسف غالبية المتورطين في تلك الحـــوادث والجرائـــم وحـــوادث النصـــب هــــم من الشباب. فالراغبون في الهرب للخارج بطريق غير مشروع هم من الشباب، والتنظيــم الــذي يحــاول تهريبهــم هــو من الشباب. والكل ليس لديهم إلا رغبة واحدة «الحصول على المزيد»!

أصل الموضوع
وأصل الموضوع هو في أعماق قلوبنا وطبيعة نظرتنا لقيمة المال. فلو سألت نفسك «كيف أنظر للمال؟» ماذا ستكون الإجابة؟ فهل تحب المال بطريقة مَرَضِية جشعة؟
البعض بالفعل يحبون المال بطريقة مَرضَية جشعة، والبعض يسمحون للمال فقط أن يتحكم في قراراتهم، ويــرون أنـــه أهم من الأشخاص، وأهم من القيم، وأهم من كل شيء، ويفكرون فيه ليلاً ونهاراً، ويظلون في صـراع محمــــوم للحصـــول علــى الــمزيـــد منــــه. وأنــــا بالطبـــع لا أشجع انعدام الطمـــوح المـــــادي لدينــــا، ولكنــني أشجع:

– أن يكون لنا رؤية متزنة نحو المال.
– وأن تكون لنا سيطرة على اتجاهاتنا نحوه.
– وألا نقع في فخ الجشع، والرغبة الأنانية في الامتلاك أكثر وأكثر.
– وأن نعرف دائما أن الأشخاص أثمن من المال، وأن القيم أبقى وأثمن من الحصول على المزيد من المال.
– وأن نحب العطاء للآخرين حتى بدون مقابل، بدلا من الأنانية والجمع أكثر لذواتنا ولخيرنا نحن فقط.
– وأن نؤمن أن القناعة مع التخطيط الجيد، خير من الجشع والعيش في سباق محموم من أجل المزيد من المال.

Exit mobile version