في العام الماضي، هيأت شركة التقنيات الناشئة “AskforTask.com” غرفة لنوم القيلولة، بغرض تخفيف وطأة الإجهاد على مطوري برامجها الذين يعملون لفترات طويلة، تصل أحياناً إلى 70 ساعة في الأسبوع.
بدا الأمر وكأنه الحل الأمثل لشركة بحاجة إلى تجديد موقعها الإلكتروني بسرعة، والحفاظ على نشاط وتركيز مطوري برامجها.
لكن للأسف الشديد، أدت الخطة إلى نتائج معكوسة.
وقال نبيل مشتاق، المدير التنفيذي والمؤسس المشارك للشركة التي تضم 15 موظفا في تورنتو: “سرعان ما اكتشفنا أن نوم القيلولة يؤدي إلى نتائج عكس المرجوة منها”.
وبحسب مشتاق، حددت إدارة الشركة مدة ربع ساعة للقيلولة، لكن العديد من الموظفين كان ينامون أكثر من ذلك دون قصد. وعند الاستيقاظ، كانوا يترنحون. وقضى عدد منهم أوقاتًا إضافية لتحضير القهوة أو غسل وجوههم، في محاولة منهم للعودة إلى نشاط العمل.
وتابع: “استغرقت العملية بمجملها وقتاً يتراوح ما بين نصف ساعة إلى ساعة ونصف”.
حتى إنتاجية الموظفين تدنت. وبعد ستة أشهر من بدء برنامج القيلولة، تدنت كفاءة فريق العمل إلى تحقيق 55 في المئة فقط من الأهداف الأسبوعية، وهو انخفاض بنسبة 30 في المئة عما قبل التجربة.
وبيّنت الدراسات وخبراء الإنتاجية أن نوم القيلولة وفترات الاسترخاء تعيد النشاط والتركيز أثناء يوم العمل، حتى في فترات الركود الشديد بعد انتصاف النهار.
في محاولة للحفاظ على التزام وتركيز الموظفين في العمل، يوفر عدد من كبرى الشركات غرفاً لنوم القيلولة، وتشجع موظفيها على أخذ إستراحة في فترة ما بعد الظهيرة بعيداً عن مكاتبهم. من ضمن هذه الشركات أبل، ونايكي، وبروكتر وغامبل في الولايات المتحدة الأمريكية، وهووتسووت، وإينتويت في كندا.
وتُنتج شركة “ميترونابس” في نيويورك “جراب النوم”، وهي تشبه كراسي عصر الفضاء. ومن بين عملائها شركات أمثال غوغل، وهافنغتون بوست، وسيسكو سيستمز.
ويعدد المديرون، الحريصون على تحقيق التوازن لدى الموظفين بين حياتهم وعملهم، مزايا برنامج القيلولة. لكن الانسلال في هذه المقاعد، مع إضاءتها حسب مزاج الاسترخاء، هي بعض العيوب غير المتوقعة التي ظهرت مؤخرا.
ولا يمكن للجميع الاستيقاظ من القيلولة والعودة فوراً إلى مستويات الطاقة التي كانوا عليها قبلها. ولا يعود جميع الموظفين، ممن يتركون مكاتبهم لجولة “سريعة” على الأقدام، أو لعب كرة القدم المنضدية أو كرة الطاولة، إلى عملهم بدون إبطاء.
ويجد المديرون أنفسهم مكلفين بمهام، هي أقرب إلى معلمٍ في رياض الأطفال وهو يشرف على الصغار، إذ يتعين عليهم مراقبة عادات القيلولة لأعضاء فريق عملهم من الكبار.
وأضافت شركة “تاليو غروب بتي المحدودة” غرفة نوم واحدة للقيلولة في العام الماضي. ويرى نايثن شوكر، صاحب هذه الشركة، إن هذه “أفضل وسيلة لتوفير غرف القيلولة وجعلها فعالة دون الإفراط فيها وتعقيدها”.
راحة واجبة أم يوصى بها
وبالنسبة لـ شوكر، يكمن التحدي الأكبر في تحقيق التوازن بين حثّ الموظفين المتعبين على الراحة، أو إتاحة وقت أكثر من اللازم لـ “التباطؤ” في العمل.
وتابع شوكر إن شركته لإدارة المرافق الخدمية، ومقرها في بريزبن باستراليا، تتحاشى وضع أية قواعد رسمية عن وقت ذهاب موظفيها، البالغ عددهم 45، لأخذ قيلولتهم أو الفترة التي يقضونها في نومهم. لكن المديرين يوصون بأخذ قسط من النوم فقط عند الضرورة القصوى، لإبقاء سوء الاستعمال في أدنى مستوى ممكن.
ويخشى شوكر من القيلولة غير الضرورية لأنها تعيق الإنتاجية، “ونشعر بأن حثّهم على قيلولة يومية سيكون أمراً غير بنّاء”.
ويضيف: “بعد استخدام غرفة القيلولة لعدة مرات، وجدت أنها ليست إلا أداة للمماطلة، تدمّر إنتاجيتي في العمل لبضع ساعات”.
لكن جاكوب ستيوارت، المؤسس المشارك لشركة “ذا ترافلينغ فوتو بووث” الأمريكية لتأجير أكشاك التصوير ومقرها في مينيابولس بولاية مينيسوتا الأمريكية، يختلف بشدة مع شوكر، ويقول إنه يُجبر موظفيه على أخذ فترة راحة قصيرة بعيداً عن مكاتبهم كل يوم في فترة بعد الظهيرة.
وتابع ستيوارت: “نطلب منهم أخذ راحة لا تقل عن 20 دقيقة يومياً. إنها وسيلة لمنع استنزافهم في العمل”.
لكن كمدير، يمكن لمواعظك أن تلقى صعوبات في التطبيق.
ويقول ستيوارت: “هناك أيام معينة أشعر فيها بالحاجة إلى مواصلة العمل”، وغالباً ما يقضي أوقات استراحته في القيلولة أو متأملاً في أرجوحته الشبكية في مكتبه.
تحدّي مسيئي الاستعمال
وبالطبع، يوجد موظفون يسيئون استغلال أوقات القيلولة في أيام العمل.
ويقول شوكر: “شهدتُ بضع حالات كان يقضي فيها أحد الأشخاص أوقاتاً طويلة في غرفة القيلولة، خاصة في صباحات أيام الاثنين. وكان شخيره هو ما يكشف سره”.
ورغم أن الموظف والمدير تبادلا الضحك بشأن هذه المخالفة، إلا أن شوكر نبهه إلى ضرورة النوم أكثر في فراشه ليلاً، والتقليل من نوم القيلولة أثناء العمل.
أما شركة “بلوو سودا برومو”، لترويج المنتجات في “فيرنون هيلز” بمقاطعة إلينوي الأمريكية، تحث موظفيها، الذين يزيد عددهم على مئة، على أن يأخذوا فترة راحة بعيداً عن شاشات الكمبيوتر، في حوالي الثالثة والنصف أو الرابعة عصراً.
وكحافز للعمل، يوجد في المكتب لعبة بولينج مصغرة، ودراجات بخارية، وحفرة غولف، أطواق لكرة السلة، ألعاب منضدية، و”غرفة للهدوء” بإضاءة منخفضة، وأريكة، وكرسي للتدليك، وأريكة لشخصين.
ولا تفرض الشركة قواعد صارمة وسريعة للتمتع بالراحة، بحسب مات باورز، المسؤول عن التسويق عبر الإنترنت في الشركة. ولكن باورز قال إنه وزملائه في العمل يمكنهم تقدير الوقت الأفضل للابتعاد عن مواقع عملهم، بحيث لا يكون ذلك على حساب المواعيد النهائية لإنجاز الأعمال، أو التباطؤ كثيراً في الاسترخاء.
وقد كان تقدير الموظفين لنهج الشركة؛ “اعمل بجد، والعب بجد”، والحرص على إنجاز الأعمال في مواعيدها النهائية هما مفتاح نجاح نظام الراحة في الشركة.
ويوضح باورز: “إذا حدث سوء استغلال لهذه الميزة، فغالبا ما يكون السبب هو فقد الإحساس بالوقت، أو تحول الاسترخاء إلى نوم القيلولة”.
وعادة ما يكون السؤال بلطف “أين كنت؟” من قبل أحد الزملاء أو المدير بمثابة إشارة كافية كي لا يكرر المقصر بفترة القيلولة فعلته.
BBC