تعتبر طبيعة الحياة من مأكل وحركة وغيرهما من الأمور التي تغيرت ، تغيرت أيضاً طبيعة أجسامنا ، وضعفت عظامنا ، حتى كاد معظمنا يصرخ من الألم ، خصوصاً ألم الظهر ، من دون أن يدري أن السبب والعلاج بين أيدينا ، وما علينا لكي نتجنب تلك الآلام سوى قليل من الإهتمام بأجسامنا ، بالإلتفات إليها وإلى متطلباتها الصحية .
لقاء مع الدكتور ليث باقر / استشاري جراحة العظام والمفاصل ، مركز إبن النفيس الطبي في أبو ظبي ، وكان هذا الحوار :
· بداية كيف نُعرف العمود الفقري ؟
يُعتبر العمود الفقري تحفة هندسية رائعة ينجز سلسلة من الوظائف ، ويتحمل مجموعة متنوعة من الضغوط والتوتر . إنه مؤلف من ( 34 ) عظمة ، يطلق عليها إسم ” فقرات ” مُعلقة فوق بعضها بعضاً ، مفصولة بواسطة أربطة قوية ومفاصل مسطحة بين الفقرات ، وتكون النتيجة بنية لها قوة هائلة ومرونة كبيرة .
· ما الأسباب التي تؤدي إلى آلام الظهر ؟
إن الأسباب الأكثر شيوعاً ل ” ألم الظهر ” الحاد ، هي مشكلة ظهر مزمنة وطويلة الأمد ، مثل الوضعية السيئة أو ضعف العضلات البطنية ، ويمكن لهذه الأخطاء أن تزيد من الضغوط المفروضة على العمود الفقري والعضلات الفقرية ، لدرجة الوصول إلى نتائج وخيمة . فالمشكلة قد تندلع إثر حركة تبدو بسيطة في حد ذاتها ، مثل الأنحناء إلى الأمام ، لالتقاط كيس على الأرض ، إن تقنية الرفع غير الصحيح عند الإنحناء إلى الأمام ، مثلاً أو إخراج أمتعة ثقيلة من ” صندوق السيارة ” يمكن أن تفرض بسهولة ضغطاً سلبياً على ظهرك ، كما أن التمارين المجهدة تعتبر سبباً شائعاً ل ” ألم الظهر ” الحاد .
· ما الأمراض التي تُصيب الظهر ؟
يكون ألم الظهر المزمن أحياناً ، دليلاً على وجود مرض آخر ، أو نتيجة له . ولهذا السبب من المهم استشارة الطبيب في كل حالات ” ألم الظهر ” المزمن ، بهدف التعرف إلى أسبابه الباطنية ، ومن المشكلات الطبية التي قد تؤدي إلى ألم مزمن في الظهر نذكر : تصلب المفاصل ، السرطان ، المشكلات النسائية ( ألم أسفل الظهر ) ، التهابات الكليتين ، ترقق العظام ، التهاب المفاصل ” الريثاني ” التهاب الفقرات ، مشكلات المعدة والحويصلة الصفراوية ” المرارة ” العمود الفقري الصدري .
· هل يلعب العمر دوراً في ظهور آلام الظهر ؟
كما ذكرنا سابقاً ، فإن هناك نوعين من ” آلام الظهر ” فالألم العضلي قد يظهر في أي عمر ، والألم العصبي ، بسبب الإنزلاق الغضروفي عادة ما يحدث بين سن 20 و 40 سنة ، بسبب أن القرص الفاصل بين الفقرات يكون طرياً في هذا العمر ، ويُحدث تيبس أو إنشقاق في المادة الهلامية بعد سن 40 عاماً .
· هل للوراثة دور فيها ؟
يمكننا القول ، إن الوراثة لا تلعب دوراً في ” آلام الظهر ” ما عدا بعض الحالات النادرة .
· هل للتغذية دور في التخفيف منها ؟
لا شك أن الوزن المفرط يؤثر سلباً في الظهر ، حيث يميل أصحاب الوزن الزائد ، خصوصاً الرجال ، إلى حمل معظم وزنهم الإضافي في بطونهم وهذا يُضعف عضلات البطن ، ويصعب عليها تحمل العمود الفقري .
· كيف يمكن تجنب تلك الآلام قبل وقوعها ؟
قديماً قيل إن ” الوقاية خير من قنطار علاج ” . فإذا أراد الشخص أن يتجنب ” آلام الظهر ” . فهناك قواعد صحية مهمة يجب اتباعها .
1- تحقق من وضعيتك مرات عدة خلال النهار ، خصوصاً أثناء العمل ، بحيث تصبح الوضعية الصحيحة عادة .
2- تجنب كل وضعية تسبب لك توتراً في عضلات ظهرك ، مثل الإنحناء فوق الطاولة الحرفي ، أو غسل شعرك في حوض ، فالوضعية السيئة تجعل العضلات متوترة ومؤلمة ، وتصبح الأربطة ممددة ومؤلمة ، ويؤدي ذلك بدوره إلى تشنج ألياف العضلات ، وتكوين عقد مؤلمة ومتصلبة .
3- تجنب الوقوف ساكناً لفترة من الوقت وإذا كان ذلك مستحيلاً بالنسبة إليك ، قم ببعض التمددات أو ضع إحدى ساقيك على كرسي منخفض لتخفيف التوتر عن ظهرك السفلي .
4- أنجز تمارين التحمية قبل الشروع في أي تمارين أو قبل إنجاز أي عمل شاق في المنزل ، مثل الإعتناء بالحديقة .
5- تمرن لإبقاء عضلات ظهرك وبطنك قوية ومرنة ، لأن العمود الفقري يصبح غير ثابت ، ويتعرض للأذى بسهولة ، إن كان دعمه العضلي غير ملائم .
6- تأكد من أن وزنك متناغم مع طولك وبنيتك وعمرك ، وحاول الحفاظ على هذا الوزن .
7- تأكد من الحصول على الراحة والنوم الكافيين ، لأن الأقراص بين الفقرات تعيد في هذه الأوقات امتصاص المياه التي فقدتها أثناء الأنشطة اليومية .
8- تجنب إنجاز حركتين في الوقت نفسه . خصوصاً في حال استخدام مجموعات عضلات مختلفة لا ترفع مثلاً وزناً ثقيلاً ، مع برم جسمك كما يحدث عند رفع الطفل من مقعد السيارة .
9- خذ وقتك للإسترخاء أثناء النهار ، بهدف التخفيف من توتر العضلات المتراكم خصوصاً حول العنق .
10- إذا توجب عليك حمل أوزان ثقيلة ، تأكد من توزيع الوزن بالتساوي بين جانبي الجسم ، فالأوزان غير المتماثلة ، توزع الضغط على نحو غير متوازٍ في العمود الفقري ، ما يعرض جانباً أكثر من آخر للضغط .
· هل تنصح برياضة معينة للحد من آلام الظهر ؟
هناك طريقة واحدة للتوصل إلى لياقة جسدية عامة ، ألا وهي ، القيام بتمارين دورية والواقع أن هذا جدير بالعناء ، لأن اللياقة ليست جيدة فقط للصحة العامة ، وتخفف من خطر التعرض للأمراض والمشكلات في أي سن ، وإنما تؤثر بشكل مباشر أيضاً ، في صحة الظهر ، حيث يجد بعض الأشخاص ، أن الإنضمام إلى نادٍ رياضي ، أو صف لياقة بدنية ، يساعدهم في الحصول على اللياقة المطلوبة ، لكنك لست مضطراً إلى القيام بذلك ، فالشيء المهم هو القيام بأي نوع من التمارين ثلاث مرات في الأسبوع على الأقل ، سواء أكان ذلك متمثلاً في المشي السريع ، أم الركوب على الدراجة أم السباحة ، لكن لا تمارس الرياضات التي تُجهد ظهرك ، مثل ال ” اسكواش ” و ” التنس ” أو التمارين الهوائية قوية التأثير ، إلا بعد التوصل إلى مستوى من اللياقة الإجمالية .
· هل يمكن للعلاجات الشعبية مثل ” كاسات الهواء ” وغيرها التخفيف من تلك الآلام ؟
لا ينجح الطب التقليدي دوماً ، في معالجة المشكلات المزمنة مثل ” ألم الظهر ” طويل الأمد ، وفي مثل هذه الحالات لا بد من تجربة أحد هذه العلاجات البديلة أو المكملة ، لكن من المهم أن تختار شخصاً متمرساً يملك الشهادات والمؤهلات اللازمة ، وألا تعرض نفسك للخطر . ويعتبر التدليك مهماً في معالجة مشكلات ” آلام الظهر ” فهو يرخي عضلات الظهر ويُخفف من التوتر الذي قد يسبب مشكلات الظهر أو يُفاقمها ، ويجب عدم السماح للمدلك بالضغط على عمودك الفقري أو معالجته بأي طريقة إذا كان الألم يمتد إلى ساقك أو ذراعك .
· كيف يمكننا أن نحافظ على ظهر مثالي يجنبنا الألم طوال عمرنا ؟
سواء أكنت تعاني حالياً ألماً في الظهر أولا يمكنك تفادي الآلام المزمنة والتخفيف من خطر التعرض لمشكلة ظهر حادة من خلال اتخاذ بعض الإجراءات الوقائية البسيطة ، إنتبه جيداً إلى وضعيتك أثناء الجلوس والوقوف على حد سواء ، واعتمد إجراءات عملية للتأكد من أن بيئة عملك لا تفرض أي جهد غير ضروري على ظهرك ، مثل رفع الأشياء الثقيلة أو الإعتناء بالحديقة ، حيث تُعتبر الوضعية الشيء الأساسي الوحيد في تحديد صحة ظهرك ، والوضعية السيئة هي السبب الرئيسي لمشكلات الظهر .
· هل أنت كطبيب استشاري في العظام تعاني مثل تلك المشكلات في الظهر ؟
لقد سألتني سؤالاً محرجاً وشخصياً ، لكنني لا أمانع في الإجابة عنه ، حيث إنني في ما مضى ، حملت مريضاً من طاولة العمليات إلى النقالة ، وأصبت أثناءها بانزلاق غضروفي حاد ، اضطرني إلى ملازمة الفراش مدة ثلاثة أسابيع ، وقد شفيت تماماً والحمد لله ، ولكنني أذكر هذا لمرضاي باستمرار لتشجيعهم ، حيث إنهم في بعض الأحيان يصابون بالقنوط واليأس ، وأذكر من الحالات الطريفة ، أنه راجعني مريض مصاب بألم ظهر حاد ، وكان قد قرر فسخ عقد قرانه على خطيبته ، بسبب ” آلام الظهر ” وأود الإشارة إلى أن الحالة النفسية للمريض تلعب دوراً كبيراً في شفائه .
· نصيحة أخيرة نقدمها لكم لتجنب ” آلام الظهر ” ؟
– أود القول ، إن ” آلام الظهر ” ليست نهاية العالم ، صحيح أنها في بعض الأحيان تصبح مزمنة ، ولكن بالجهد الذاتي والمثابرة على العلاج ، وفهم طبيعة المرض ، يمكننا القول إن المريض يمكن أن يُشفى أو يتحسن بنسبة 90 % .