تَعد خدمة البحث على الإنترنت من «غوغل» بتقديم نتائج فضلى وأكثر صلة بموضوع البحث، لكن دراسة حديثة أشارت إلى أن «غوغل» قد تُعدّل من ترتيب النتائج، لتدفع بمحتواها الخاص إلى الصدارة دون مراعاة اهتمامات المستخدمين وفائدتهم، الأمر الذي يُمثل انتهاكاً لقواعد تنظيم المُنافسة، في وقت يدور فيه نقاش حول ما إذا كانت «غوغل» تستغل بالفعل هيمنتها على 90% من سوق محركات البحث في أوروبا، للضغط على مُنافسيها في المجالات التي تعمل بها.
وجمعت الدراسة التي تولى موقع «يلب» لمراجعات الأماكن على الإنترنت تمويلها، بين الاختبار الإحصائي والتحليل القانوني والاقتصادي لتداعيات ممارسات «غوغل» في الترويج لخدماتها البحثية المتخصصة مثل البحث عن المطاعم والأطباء على مُنافسيها مثل «يلب» و«تريب أدفايزور».
وتُعد «يلب» من بين أهم الأصوات انتقاداً لطريقة «غوغل» في ترتيب نتائج البحث، وتقدمت بشكوى ضد «غوغل» أمام سلطات مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي. وخصصت الشركة موقعاً لعرض الدراسة، إضافة إلى فيديو في موقع «يوتيوب» لشرح نتائجها.
وأجرى البحث أكاديميان؛ هما «تيم وو» ومايكل لوكا، ويعمل الأول أستاذاً للقانون في «جامعة كولومبيا» ويُعتبر أحد أهم الأكاديميين في مجال قانون المنافسة والتكنولوجيا، ويُنسب إليه الفضل في صك مصطلح «حيادية الإنترنت» الذي يُستخدم على نطاقٍ واسع للإشارة إلى واجب مُقدمي خدمات الإنترنت في معاملة البيانات على نحوٍ متساو، وإتاحة الوصول لمختلف أنواع المحتوى دون تفضيل أو حظر خدمات ومواقع بعينها. أما «لوكا» فهو مدرس في كلية الأعمال بـ«جامعة هارفارد».
وتضمنت الدراسة تقديم نسختين من نتائج البحث في «غوغل» لـ2690 مستخدماً، وركزت على البحث عن الخدمات المحلية مثل الفنادق والمطاعم. وشاهدت المجموعة الأولى من المستخدمين نتائج البحث كما تظهر بصورتها الفعلية في «غوغل»، بينما اطلعت المجموعة الثانية على نُسخة معدلة تُظهِر روابط لشركات، وتقييمات من مواقع مُنافسة مثل «يلب» و«تريب أدفايزور» مُرتبة بحسب الأهمية استناداً إلى خوارزمية «غوغل».
وانتهت الدراسة إلى أن 32% من المستخدمين ينقرون على النتائج الحالية التي تعرضها «غوغل»، في حين يُفضل 47% منهم النتائج المرتبة بحسب الأهمية دون عرض نتائج خدمات «غوغل» في المقدمة.
واعتبرت الدراسة أن الزيادة بنسبة تقترب من 50% تُعد كبيرة للغاية في مجال الـ«ويب»، في وقت رأى فيه الباحثان في تفضيل المستخدمين للنقر على روابط من منافسي «غوغل» إشارةً إلى رغبتهم في الحصول على نتائج أكثر تنوعاً.
وقال المؤلفان إن طريقة «غوغل» قد تضر بالمستهلكين؛ لأنهم ربما لا يجدون غايتهم في النتائج التي تقدمها الشركة ويستغرقون وقتاً أطول في العثور على المعلومات، أو ينتهي بهم الأمر إلى اللجوء إلى خدمات وشركات لن يريدوا أصلاً أن تكون اختيارهم الأول.
واعتبر الباحثان أن الدراسة تُقدم «دليلاً تجريبياً» على الضرر الذي توقعه ممارسات «غوغل» بالمستخدمين في بعض الحالات، وعلى هذا النحو فإنها لا تدعم ظروف المنافسة.
وربما تُسهِم الدراسة الجديدة في النداءات المُطالبة للجهات الحكومية، خصوصاً لجنة التجارة الاتحادية الأميركية، بإعادة التحقيق في مزاعم ترويج «غوغل» بشكلٍ غير عادل لخدماتها الخاصة، كما قد تُضيف إلى حجج المسؤولين الأوروبيين الذين اتهموا «غوغل» بانتهاكات لشروط مكافحة الاحتكار.
انتقاد للدراسة
وشكك خبراء في نتائج الدراسة، لافتين إلى أن زيادة نقرات المستخدمين على النُسخة المُعدلة من النتائج قد تدل على عدم رضاهم عن نتائج البحث وليس عن تفضيلهم لها، حال واصلوا الانتقال من «غوغل» إلى «يلب» والعودة مُجدداً إلى نتائج «غوغل». كما يصعب التحقق من السبب في زيادة تفاعل المستخدمين، وما إذا كان يرجع إلى أهمية النتائج، أو المظهر المُختلف للصفحة. ورأى المُحلل المُتخصص في محركات البحث ومُؤسس موقع «سيرش إنجن لاند» المعني بقطاع محركات البحث على الإنترنت، داني سوليفان، أن الدراسة أقرب إلى العلاقات العامة منها إلى العلم الدقيق.
اتهام أوروبي
وفي أبريل الماضي وجهت مفوضة شؤون المنافسة في الاتحاد الأوروبي، مارغريت فيستاغر، اتهاماً إلى شركة «غوغل» بالتلاعب في نتائج البحث؛ بهدف منح مكانة أفضل لخدماتها الخاصة مثل التسوق. وأعقب ذلك تحقيقاً استمر خمس سنوات.
وحالياً، يدور نقاش حول ما إذا كانت «غوغل» تستغل بالفعل هيمنتها على 90% من سوق محركات البحث في أوروبا للضغط على مُنافسيها في المجالات التي تعمل بها. ومن شأن هذه الاتهامات، حال ثبوتها، أن تتسبب في دفع «غوغل» غرامات تُقدر بمليارات الدولارات، فضلاً عن تغيير ممارساتها. ومُنحت الشركة مهلة تمتد حتى 17 أغسطس المُقبل لمُراجعة الوثائق ذات الصلة بالقضية وإعداد دفاعها.
وتجنبت «غوغل» مصيراً مُشابهاً في الولايات المتحدة قبل عامين، بعدما انتهى تصويت «لجنة التجارة الاتحادية»، المعنية بتنظيم الممارسات التجارية غير العادلة، إلى عدم فرض غرامات على «غوغل»، وأظهر تحقيقها أن تحديث محرك البحث استهدف مساعدة المُستخدمين وليس الإضرار بالمُنافسين، ووافقت الشركة على إجراء تغييرات طوعية.
واعتبر مسؤول في هيئة مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي أن أية دراسة تُظهِر تسبب «غوغل» في «ضرر كمي» للمستهلكين ستدفع القضية إلى الأمام. وقال إن الجهات التنظيمية في الاتحاد الأوروبي ستسعد بامتلاك الكثير من الأدلة قدر الإمكان.