موقع طرطوس

نظم معلوماتية لرصد الجرائم

آلات المراقبة الإلكترونية المتواصلة مع الكومبيوترات تحسن السلامة وتخفض معدل الجريمة
 
في واحد من شوارع المنطقة الغربية بمدينة شيكاغو وعلى جدار احد الحوانيت المحلية، كان شاب يتكئ، يرتدي سترة واسعة يبدو واضحا انها ليست المقاس المناسب له إلى درجة ان طرف ياقتها كان يتدلى حتى منتصف ظهره.

وعلى ارتفاع حوالي ثلاثين قدما (9 أمتار) كانت تنتصب كاميرا أعلى عمود لأسلاك الهاتف عدستها موجهة نحوه دون ان يدري، فيما يبدو. وعلى بعد ثلاثة أميال من هذا المكان، وعلى وجه التحديد داخل مبنى أشبه بالمخبأ كان رون هوبرمان، مدير مكتب شيكاغو للاتصالات وإدارة الطوارئ، يجلس أمام شاشة جهاز كومبيوتر وهو يتحدث مع زميل له قائلا: «هل ترى هذا الرجل (في إشارة الى الشاب المتكئ على جدار المتجر)؟ انه بائع مخدرات». معروف عن هذه المنطقة انها تعج بباعة مختلف أنواع المخدرات، مثل الهيروين والكوكايين، ووقعت بها خلال عام 2009فقط 598 جريمة قتل. وقال مدير هوبرمان مواصلا حديثه: «يجب ان نعرف أين يخبئ هذا الشخص بضاعته. أرجو ان تستدعى سيارة شرطة لإلقاء القبض عليه».

حرك هوبرمان الماوس إلى اليمين وقال انه يبحث عن شخص آخر يرتدي سترة بيجية اللون ويحمل كيسا بني اللون في يده ورزمة من النقود في يده الاخرى. وأكد هوبرمان، وهو لا يزال مركزا نظره على شاشة جهاز الكومبيوتر أمامه، ان الشخص الثاني له صلة بالأول الذي رصدته الكاميرا المنصوبة أعلى عمود الهاتف. واضاف ان لا أحد، حتى أفراد المباحث، يمكن ان يرصد باعة المخدرات من هذه المسافة القصيرة مثلما تفعل الكاميرا التي تظهر صورتها على شاشة جهاز الكومبيوتر أمام هوبرمان. هذا النوع من الكاميرات يمكن من التقاط الصورة من مسافة قريبة وبوضوح.

 * نظم رصد

* ظلت تكنولوجيا المعلومات عنصرا أساسيا في مكافحة الجريمة منذ تزويد سيارات دوريات الشرطة بأجهزة الراديو منذ عقد العشرينات من القرن الماضي، فالعاصمة البريطانية بدأت نصب كاميرات المراقبة قبل حوالي عشرين عاما تقريبا. وخلال عقد التسعينات بدأت نيويورك استخداما واسع النطاق لتكنولوجيا المعلومات في مجال الإحصاءات المرتبطة بالجريمة وحققت السلطات نجاحا اقرب إلى المعجزة في تحسين أوضاع السلامة العامة وخفض معدل الجريمة بصورة ملحوظة.

إلا ان شيكاغو كانت، بالمقارنة، لم تحقق مثل هذه النجاح في مساعيها لمكافحة الجريمة. إلا انها بدأت في السنوات الأخيرة تبذل المزيد من الجهود في هذا المجال. فقد نصبت السلطات شبكة من 30 كاميرا مراقبة في الجزء الغربي من المدينة المعروف بارتفاع معدل الجريمة ومخالفة القانون بصورة عامة، مما ساعد في التقاط مشاهد ساعدت في ما يزيد على 200 تحقيق جنائي. وكانت تلك خطوة اولى باتجاه إقامة شبكة واسعة تتكون من 2250 كاميرا مراقبة في مختلف أنحاء المدينة مما ساعد على تزويد جهاز شرطتها بقاعدة معلومات هائلة من صور الوجه إلى الأدلة المصورة. وقد حولت كاميرات المراقبة التي نصبت على سيارات دوريات الشرطة، كل اجهزة الكومبيوتر في أقسام الشرطة في مختلف أنحاء المدينة إلى أدوات فاعلة في شبكة مكافحة الجريمة، اذ وصل معدل الجريمة في شيكاغو حاليا إلى أقل معدل له لأول مرة منذ منتصف عقد الستينات من القرن الماضي.

وباستخدامها الفاعل لشبكة كاميرات المراقبة وقاعدة المعلومات الهائلة التي نجحت في تكوينها من خلال هذه الشبكة، اصبحت شرطة شيكاغو نموذجا ملهما لإدارات الشرطة في مختلف الولايات. كان الضابط ديف بومبكويسكي ينظر بتركيز إلى وجه زعيم عصابة بمدينة شيكاغو على شاشة جهاز كومبيوتر محمول كان معه، وقال ان الشرطة ألقت القبض على هذا الشخص 16 مرة خلال الفترة من عام 1996 حتى الآن بسبب مخالفات تتعلق بحيازة هيروين والقيادة تحت تأثير المخدرات او الكحول والاعتداء الجنسي والقتل. ويقول بومبكويسكي انهم نجحوا في معرفة كل هذه الأشياء حول زعيم العصابة المذكور بفضل نظام شبكة معلومات يطلق عليه «كلير» CLEARوهي اختصار يعني «تقارير وتحليلات اجهزة تطبيق القانون». اطلع بومبويسكي بفضل هذا النظام على كل أدق التفاصيل ابتداء من صور الوجه للمشتبه فيه والمدانين والمطلوبين من العدالة إلى الأسماء الحركية والألقاب وحتى الوشم للمساعدة في تعقب المجرمين. اما نظام قاعدة المعلومات القديم، فقد كان يوفر المعلومات في حالة إعطاء المشتبه فيهم اسماءهم الحقيقية لضباط الشرطة. وباتت كل سيارات الدورية التابعة للشرطة موصلة بشبكة «كلير» وبالتالي لم يعد بوسع المشتبه فيهم إعطاء معلومات كاذبة عند توقيفهم بواسطة دورية الشرطة.

* قاعدة معلومات

اصحبت قاعدة المعلومات هذه والشبكة الواسعة التي تشمل أقسام الشرطة ومكاتبها الرئيسية بمثابة الجهاز العصبي الرئيسي لمكافحة الجريمة في شيكاغو. وجاء إنشاء شبكة «كلير» نتيجة الغضب والإحباط، فقد ظلت شرطة شيكاغو تحاول خلال عقد التسعينات تجديد شبكة الكومبيوتر في مختلف أقسامها، إلا ان إخفاقات فنية رئيسية حالت دون ذلك مما حدا بالمسؤولين اتخاذ قرار بالشروع في إنشاء الشبكة من الصفر ابتداء بإنشاء قاعدة معلومات خاصة بتقارير التوقيف والتاريخ الجنائي. عندما بدأت ملامح المشروع تظهر عام 2000 قرر هوبرمان العودة إلى العمل في شرطة شيكاغو بعد فترة عمل قضاها في مركز للبحوث بواشنطن. وعرف عن نيويورك في ذلك الوقت على وجه اعتماد الشرطة في عملها على نظام يقوم على اساس الإحصاء المعتمد عمل الشبكات وتكنولوجيا المعلومات. إلا ان ذلك النظام كان أحادي الاتجاه يذهب إلى مسؤولي الشرطة والمحللين الجنائيين، الذين يتعاملون مع الأجزاء المتعلقة بالأرقام والإحصائيات وإرسال التقارير إلى الجهات ذات الصلة بتطبيق النظام والقانون. إلا ان هوبرمان كان يعتقد باستمرار ان المعلومات يجب ان تنساب في كل الاتجاهات بغرض الجمع بين مختلف الأقسام والإدارات المتخصصة ابتداء من التحقيقات مرورا بجمع الأدلة وإشراك السكان في مكافحة الجريمة. استثمر مبلغ 20 مليون دولار لتوفير برامج كومبيوتر وأجهزة بغرض وضع فكرة هوبرمان موضع التنفيذ وكانت النتيجة ميلاد «كلير». بدأ هوبرمان في عام 2003 مشروعا تجريبيا لنصب 30 كاميرا مراقبة في الجزء الغربي من شيكاغو، حيث يرتفع معدل الجريمة بصورة ملحوظة.

وتقوم الفكرة اصلا على ضرورة إدراك المخالفين للقانون انهم تحت المراقبة وإنه لم يعد بوسعهم التخفي. وخلال الشهور السبعة الاولى فقط تراجعت البلاغات المتعلقة بجرائم المخدرات بنسبة 76 بالمائة، فيما تراجعت نسبة الجرائم الكبيرة 17 بالمائة، وتراجعت جرائم القتل بنسبة 25 بالمائة العام الماضي مقارنة بجرائم القتل التي سجلت عام 2009. ويعتقد هوبرمان ان كل ذلك نتيجة لإعادة بسط الإحساس بالأمن والنظام وتحرير بعض مناطق المدينة من نفوذ العصابات.

Exit mobile version